التي قال الله عزّ وجل : * ( وإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً ) * » [1][2] . أقول : دلّ هذا الخبر الشريف والأثر الطريف على عظم البسملة ، وعلوّ شأنها ، ورفعة قدرها ، وجلالة مكانها ، فمتى ذكرت في موضع من المواضع فهي حقيقةٌ بالجهر بها وإعلانها ، وكأنّ ذلك لما اشتملت عليه من الاسم المختصّ به تعالى ، وبعض أسمائه الحسنى ، وصفاته العليا ولهذا كان ذكرها يُفَلُّ به حدّ كيد الشياطين ، ويُحلّ به قيد الكافرين . ولمثل هذا الوجه المنير نظر الرازي في تفسيره الكبير ، حيث إنّه بعد أنْ احتجّ للجهر بالبسملة بالحجّة الثالثة وهي أن الجهر بذكر الله يدلّ على كونه مفتخراً بذلك الذكر ، غير مبال بإنكار من ينكره . . إلى آخره قال : ( وممّا يقوّي هذا الكلام أيضاً أنّ الإخفاء والسرّ لا يليق إلَّا بما يكون فيه عيبٌ ونقصان ، فيخفيه الرجل ويسرّه ، لئلَّا ينكشف ذلك العيب ، أمّا الذي يفيد أعظم أنواع الفخر والفضيلة والمنقبة ، فكيف يليق بالعقل إخفاؤه ، ومعلوم أنّه لا منقبة للعبد أعْلى وأكمل من كونه ذاكراً لله بالتعظيم ولهذا قال عليه السلام : « طوبى لمن مات ولسانه رطب من ذكر الله » ، وكان عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول : « يأمن ذكره شرفٌ للذّاكرين » . ومثل هذا كيف يليق بالعاقل أنْ يسعى في إخفائه . ولهذا السبب نقل أنّ علياً رضي الله عنه كان مذهبه الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات . وأقول : إنّ هذه الحجّة قويّة في نفسي ، راسخةٌ في عقلي ، لا تزول البتة بسبب كلمات المخالفين ) [3] . انتهى . ومثله ما ذكره في الحجّة [ الثانية ] [4] ، وهي : ( إنّ قوله : بسم الله الرحمن الرحيم ، لا شكّ أنّه ثناءٌ على الله ، وذكرٌ له بالتعظيم ، فوجب أن يكون الإعلان به مشروعاً لقوله تعالى : * ( فَاذْكُرُوا الله كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) * [5] .
[1] تفسير القمّي 1 : 56 . [2] التفسير الكبير 1 : 168 . [3] في المخطوط : الثالثة ، وما أثبتناه موافقٌ للمصدر . [4] البقرة : 200 . [5] البقرة : 200 .