الإرادة وانتفاء الإفادة . وإنّما قلنا : إنّه نفاه عنهم أخيراً لما تقرّر في محلَّه من أنّ ( لو ) موضوعةٌ لتعليق حصول مضمون الجزاء بحصول مضمون الشرط فرضاً في الماضي ، مع القطع بانتفاء الشرط [1] ، والشرط هنا هو قولُهُ تعالى : * ( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) * ، فيدلّ على انتفاءِ العلم ، والله العالم . منشأ دهاء الدهاة وأمّا قوله : ( ثمّ ما منشأ دهاء الدّهاة . . إلى قوله - : أم للعقل فيه مدخليّة ) . فالجوابُ عنه يعرف أيضاً من الجواب عمّا قبله ، ونزيدُهُ وضوحاً فنقول : إنّ حِكْمةَ الحكيم العزيز العليم قد اقتضت أنّ لنفس الإنسان دون سائر الحيوان قوّتين متلازمتين : قوّة عالمة وقوّة عاملة ، فهما له ملازمتان لا ينفكَّان ، دون سائر الحيوانات لبُعْدِها وقصورها عن الجمع للكمالات . وفي خبر إسماعيل بن جابر ، عن الصادق عليه السلام : « والعلمُ مقرونٌ إلى العمل ، فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ ومَنْ عَمِلَ علِمَ ، والعلمُ يهتفُ بالعمَل فإنْ أجابَهُ وإلَّا عنه ارتحلْ » [2] . انتهى . وذلك لأنّ العلمَ صورةٌ والعملَ مادّةٌ ، فكما لا وجودَ للمادّة بلا صورة ولا ثباتَ للصّورة بلا مادّة ، كذلك لا وجودَ للصّورة بلا مادّة فهما متلازمان لا يفترقان . والقوّة العاملةُ لا بدّ لها من اكتساب ، ولا شكّ في توقّف المكتسب على تحصيل مقدّمات الاكتساب من الشروط والأسباب ، فإنْ كانت القوّة طوعَ العقل سلكت الحسَنَ وطريقَ اكتسابه ، وتكون حينئذٍ مستقيمةً مطمئنّةً للتجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل أوان الفوت ، وإلَّا خرجت للاعتقادات الباطلة والحِيَل والمَكْر والخدع ، وانهمكت في الأفعال والأعمال الزائلة لعصيانها بالتجافي عن دار الخلود والسعود والإنابة إلى دار الغرور والشرور ،