وعدم الاستعداد للموت بتحسين العمل لطول الأمل . ولهذا قال أميرُ المؤمنين عليه السلام : « ألا إنّ أخوفَ ما أخافُ عليكم خلَّتان : اتّباعُ الهوى وطولُ الأمل ، أمّا اتّباعُ الهوى فيصدُّ عن الحقّ ، وأمّا طولُ الأمل فيُنسي الآخرة » [1] . وتسمّى حينئذٍ بالنكراء والدّهاء ، ومرجعها إلى سرعةِ التفطُّن في استنباط ما ينبغي أنْ يُرتكبَ أو يجتنب في إنجازِ المطلب وإنجاحِ المأرب وإنْ لم يجز ذلك بمقتضى الدّين والمذهب . وقد سمعت أنّها لا تسمّى عقلًا ، لا شرعاً ولا عند الحكماء ، وإنْ سمّته العوامُّ كذلك لنظرهم لما تحت أرجلهم بعين البصر الحاسرة ، لا بعينِ البصيرةِ الفاخرة . وهذه القوّةُ وإنْ كانت من جنود الجهل كما ذكرناه سابقاً لكن لمّا كانَ وجودُ الجهل عرضيا لا ذاتيّاً من جهة شِمال [2] العقل ، وجعل الله له جنوداً كالعقل ، ومكَّنه وجعله مختاراً ، كانت تلك القوّة صالحةً للأمرين وسلوك النّجدين . فكلُّ جندٍ وقوّةٍ بحسب حكمةِ العدل الحكيم القادر العليم لا بدّ أنْ تكونَ صالحةً للداعيين وإنْ كان أصلُ الخلق للخير وطوع العقل الذاتيين : * ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ويَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) * [3] ، : * ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) * [4] . ثمّ إنّ تعبير السائل سلَّمه الله تعالى - : ( بإصابة الرأي المطابق للأمر الواقع قبل وقوعه ) ممّا لا ينبغي لأنّ مطابقة الرأي للأمر قبل وقوعه لا يصدرُ عن تلك الآراء ، ولا ينتج عن تلك الشيطنة والنكراء ، وإنّما يصدر بفراسةٍ إيمانيّةٍ وعنايةٍ ربّانيّة ، كما ورد : « اتّقُوا فراسةَ المُؤمن ، فإنّهُ يَنظُرُ بِنُورِ الله » [1] . وإنّما يصدرُ عن أهل تلك الغريزة الشيطانية سرعةُ المبادرة إلى ما يُنجز مقاصدهم الشهوانيّة ، ويُنجح أغراضهم النفسانيّة الشرّانيّة ، من غير نظرٍ إلى العواقب الأخرويّة وخوفٍ من المعاقبات السّرمديّة .