واستعمالها في الأحاديث المذكورة للوجوب لا يستلزم كونها كذلك في كلّ موضع مطلوب ، إذ الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، كما لا يخفى على ذوي القلوب ، مضافاً لشيوع تعلَّق الأمر بالأعمّ في كثير من المواضع ، في كلام الشارع والصادع ، قال تعالى : * ( وأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ) * [1] وقال تعالى : * ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) * [2] وقال تعالى حكاية عن قول فرعون لقومه : * ( فَما ذا تَأْمُرُونَ ) * [3] وقال تعالى : * ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ ) * [4] . والتقريب في هذه الآيات : أمّا في الآيتين الأُوليين فلأنّ المراد بالمعروف هنا كلّ فعلٍ يحسّنه الشرع والعقل ، سواء كان واجباً أو مندوباً ، كما أنّ البرَّ أيضاً اسم جامعٌ للخير كلَّه ، مع أنّه تعالى أمر الناس في الآية الأُولى بأنْ يأمر بعضهم بعضاً بفعل المعروف ، ولا شكّ في صدق الامتثال بفعل المستحبّات ، كما أنّ الإنكار في الآية الثانية يترتّب على مَنْ أمر غيره بفعل المستحبّ ، مع أنّه لا يفعله ولو في بعض الأوقات . وأمّا في الآية الثالثة فلأنّ سَوْق الآية القرآنيّة ومقتضى الحكمة الربّانيّة ، وكلام المفسّرين من الإماميّة ، ومدقّقي العربية ، يقتضي تعلَّق الفعل بضمير المتكلَّم ، لا الجنود والفرق العسكريّة ، ومن البعيد صدور الإلزام على المَلِكِ المطاع من الرعيّة ، خصوصاً من يُدّعى فيه الربوبيّة . والتقريب في الآية الرابعة يظهر من التقريب في الأُولى ، لذِي الرواية . والكلام في المسألة طويل الذيل ، موكول إلى الكتب الأُصوليّة ، وعلى اختصاص الأمر بالواجب ، فالجواب عنه كما مرّ بالسويّة . وأمّا عن خبر الأعمش : فأوّلًا بضعف سنده عن مقاومة ما مرّ من الأخبار والإجماعات .
[1] البقرة : 44 . [2] الشعراء : 35 . [3] النساء : 114 . [4] الرِّبْقة في الأصل : عُروة في حَبْلٍ تُجعل في عُنق البهيمة أو يدها تُمسكها ، فاستعارها للإسلام ، يعني ما يَشدّ المسلم به نفسه من عُرى الإسلام ، أي حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه . لسان العرب 5 : 123 ربق .