( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فبأي آلاء ربكما تكذبان ) 1 أي باخباره إياكم هذه الحالة لتتحرزوا عنها أم بغيره من النعم ، فإن وجه النعمة في ارسال الشواظ من النار والنحاس على الثقلين هو ما في ذلك لهم من الزجر في دار التكليف عن مواقعة القبيح وذلك نعمة جزيلة انتهى 2 . فلولا النواهي والعقوبات لاسترسل الانسان في شروره ولما وقف عن فساده ، بل لو لم يكن خوف عقاب الآخرة لغشيت العالم الرذائل والاجرام ، وتفاقم الاقدام على قتل النفوس ونهب الأموال وهتك الأعراض والحرمات من كل من تمكن من ذلك ، إلا القليل من ذوي النفوس الطاهرة العالية . غير أنه مما لا يمكن انكاره إن هذا العامل مؤثر في أجواء خاصة وطبقات مخصوصة وهم الذيم نفذ الايمان في قلوبهم ، واطمأنوا بما وعد الله تعالى من الثواب والعقاب . إذا فالخطر غير مستأصل من أصله وأساسه ، ولا شئ يمنع عن انتشار الجرائم ، فلا بد من جعل عقوبة عاجلة تزجر الطبقات السافلة عن الاقدام على الشر والفساد . والشارع الحكيم لم يهمل هذه الجهة فقرر عقوبات خاصة على قسم من المعاصي ، ويعاقب المجرم بها عاجلا قبل العقوبة الأجلة في الدار الآخرة ، وليست هذه العقوبات إلا الحدود المقررة في الشرع على المعاصي المعينة ، والتعزيرات على ما سواها . وبتقرير آخر : إن النفوس بالنسبة إلى طاعة الله تعالى على ثلاثة أقسام ، الأول : النفوس العالية القدسية المتصلة بالملأ الأعلى . الثاني : النفوس الشريفة المؤمنة بالآخرة . الثالث : النفوس السافلة التي لم يرسخ الايمان فيها عميقا . أما الفئة الأولى فيكفي في ارتدادهم عن معصية الله سبحانه عرفانهم بالله تعالى وأنهم رأوه مستحقا للطاعة فلذا لا حاجة في هذا المجال لأكثر من ذلك . وأما الفئة الثانية الذين لم يبلغوا ذاك المقام الرفيع ، فإن الذي يردعهم عن
( 1 ) سورة الرحمن 36 - 35 ( 2 ) مجمع البيان ج 5 ص 205 .