وأمّا الوضوء والغسل والتيمم فهي عندهم من القسم الأوّل تحتاج إلى النيّة ، لعدم معلومية الماهية إلَّا من الشرع ، وعدم معرفة المصلحة في الإيجاب بالخصوصية المعلومة ، وعدم ظهور كون الإيجاب لمحض التوصل إلى أمر معلوم ، إذ لا نعرف أنّ الحدث ما ذا ؟ وأنّ الرفع بأيّ نحو ؟ وماهية الرافع ما هي ؟ فضلا عن شرائطه . بل ظاهر الأمر أنّه واجب شرعا وإن كان الواجب لغيره ، فالمطلوبية والمصلحة إنما تتحققان فيه نفسه وإن كانتا للغير . وفرق بين هذا وبين ما لو علم أن وجوبه لمحض التوصل إلى مصلحة خارجة ، وهذا حاله حال مثل الصلاة والصوم ، وإن الفارق بينهما هو الوجوب للنفس والوجوب للغير ، لكن كلا الوجوبين شرعيان ، فتأمّل جدا . واللَّه تعالى أوجب علينا إطاعته وإطاعة رسوله ، والإطاعة الواجبة هي امتثال الأمر ، والمرجع في هذا اللفظ العرف كسائر الألفاظ ، فما يكون في العرف امتثالا يكون الواجب هو لا غير ، والامتثال العرفي لا يتحقق إلَّا بقصد ما هو مطلوب للآمر وارتكابه لأجل أن الآمر أمر ، لا بشهوة نفسه أو شهوة غير الآمر . مثلا : لو أمر السيد عبده بإتيان أمر ، وقال آخر للعبد : لو أتيت بمطلوب سيدك لقتلت سيدك ، فأتى العبد ذلك المطلوب لا لأجل أن السيّد طلب بل لأجل أنّ السيّد يقتل لا شك في كونه عاصيا وإن أتى بما هو مطلوب السيّد ، وكذا لو أتى به بشهوة نفسه لا لشهوة سيده . والبيان الوارد في الطهارات مثل البيان الوارد في الصلاة لا يظهر كونه بيانا لتمام ماهيتها وشرائطها ، بل الظاهر خلاف ذلك ، ولا ينفع التمسك بالأصل بعد العلم بوجوب الإطاعة والامتثال . ومما يدل على كون الطهارة مثل الصلاة في كونها في نفسها عبادة قوله