في كلّ فعل ذي جهات . مثلا : لو فرضنا أن للخمّار في ذمّتي عنبا يجب بذله له أداء لدينه ، وعنبا يحرم بذله له لتخمير ونحوه ، وفرضنا اندفاع أحد العنبين إليه ، فإن كان المدفوع إليه ممتازا من حيث الكمّ والكيف والوزن والوصف كان اعتبار تعيينه بالقصد تحصيلا للحاصل ، كما فيما نحن فيه . نعم ، لو لم يكن له جهة مميّزة ومعيّنة غير القصد اعتبر في تعيينه وتميّزه القصد ، لكنّه خارج عن محلّ الفرض . ومن هذه الأبواب ينفتح باب الجواب عن شبهة الجبر في استناد أفعال العباد من الصلاح والفساد إلى مسبّب الأسباب ، فإن جميع تهيئة أسباب الخير والشرّ من الإيجاد وما دونه من الحكيم المطلق إنما هو من باب اللطف والمعرضيّة للثواب والسعادة لا العقاب والشقاوة ، وبقصد الإحسان والامتحان لا الحرمان والعدوان ، واستناد الفعل إلى أقوى السببين والعلَّتين من المباشر والسبب والفاعل والعادل . * قوله : « وإلَّا لزم التسلسل . فافهم » . * [ أقول : ] أي : إن لم يشترط في حرمة المقدّمات والمعونات قصد الحرام لزم تسلسل الحرمة في سلسلة المقدّمات والمعونات إلى ما لا نهاية له ، من المعاملات والمغارسات والصناعات ، بل التجارات والإحسانات ، المعلوم لفاعلها بالعلم الإجمالي الانتهاء إلى الحرام والشرّ والفساد ، إلى أن ينتهي إلى ألطاف ربّ العباد بالنسبة إلى أهل الفساد ، فيلزم حرمة جميع المعاملات ، بل وجواز الجبر على الله تعالى . * قوله : « فافهم » . * [ أقول : ] لعلَّة إشارة إلى عدم إمكان منع الملازمة ، بإبداء الفرق بين المقدّمات المحرّمة من حيث القرب والبعد والقوّة والضعف والخفاء والجلاء والعلم والجهل ، إلَّا من حيث القصد وعدم القصد .