ويدفعه : أوّلا : بفرض الخارج من العقود عن تحت الآية خارجا عن حكم العامّ ، لا نفس العامّ حتّى يعدّ أكثريّته في العرف مستهجنا ، فيرجع التخصيص بالأكثر حينئذ إلى التقييد بالأكثر ، وهو ليس كالتخصيص بالأكثر في الاستهجان عرفا . وثانيا : بفرض الخارج عن نفس العامّ على تقدير التسليم خارجا بعلاقة التشبيه والتنزيل ، دون علاقة العموم والخصوص حتّى يعدّ أكثريّته من مستهجنات العرف ، فإنّ التخصيص بالأكثر المستهجن عرفا عند القائل باستهجانه انّما هو التخصيص بعلاقة العموم والخصوص . وأمّا التخصيص بالأكثر بعلاقة التنزيل فلا استهجان فيه ، بل قد ورد في أفصح ما يكون من الكتاب الكريم ، كما في قوله تعالى * ( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) * [1] ، وقوله في الحديث القدسي : « يا ابن آدم ، كلَّكم جائع إلَّا من أطعمته » [2] ، مع كون الباقي في كلّ منهما أقلا بالعيان والبرهان . أمّا العيان فمحسوس . وأمّا البرهان فلقوله تعالى * ( وما أَكْثَرُ النَّاسِ ولَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) * [3] . وبالجملة : فكما أنّ شرف المطيعين في الرفعة ودنوّ الغاوين في الانحطاط ممّا صحّح تنزيل كثرة الغاوين منزلة القلَّة ، وقلَّة المطيعين منزلة الكثرة في الآية كذلك غلبة استعمال العقود الصحيحة وتداولها وإن قلّ عددها ، وندور تداول العقود الفاسدة وإن كثر عددها ممّا يصحّح تنزيل الأكثر منزلة الأقلّ ، وبالعكس فيما نحن فيه . وثالثا : بأنّ عموم العقود عموم أفراديّ لا نوعي حتّى يستكثر العقود الفاسدة والجائزة عليه .
[1] الحجر : 42 . [2] صحيح مسلم 4 : 1994 ح 55 . [3] يوسف : 103 .