وأمّا مصاحبة المعصومين مع بعض المنافقين فمن قضايا الأحوال التي كستها الإجمال والاحتمال المبطل للاستدلال ، فلعلَّه بنيّة إتمام الحجّة أو ضرورة محوجة أو لقطع محجّة ، كما نقل من مصاحبات ومجادلات مؤمن الطاق مع أبي حنيفة ما يتمّ بها الحجج البالغة والمحجّات القاطعة التي هي من أعظم المجاهدات الواجبة . فمنها لمّا قال له أبو حنيفة : جاء شيطان الطاق ، أجابه بداهة * ( أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) * [1] . ولمّا قال له : مات إمامك ، قال : وأمّا إمامك فمن المنظرين . ولمّا قال له : إن كنت صادقا في الرجعة فأقرضني مائة دينار استرجعها منّي في الرجعة ، قال : ائتني بضامن يضمنك أن ترجع بصورة إنسان ، لا مسوخ كلب أو خنزير . ولمّا قال له : إذا مات ميّتكم كسرتم يده اليسرى ليعطى كتابه بيمينه ، قال : أمّا هذا فجعل ، ولكنّكم إذا مات ميّتكم حصّنتموه بجرّة من ماء لئلَّا يعطش في المحشر ، فيردّه عليّ عليه السّلام عن الكوثر . ولمن أنشد : من رأى صبيّا ضالَّا ، قال مؤمن الطاق : أمّا الصبيّ الضالّ فلم أره ، ولكن الشيخ الضالّ هذا ، يعني : أبا حنيفة [2] . إلى غير ذلك من احتجاجاتهم البليغة المسوّغة لحرمة المصاحبة قطعا . ويتفرّع على ذلك فروع : منها : عدم وجوب تجهيز ميّتهم علينا ، من تغسيل ولا تكفين ولا تدفين ولا صلاة ، إن هم إلَّا كالأنعام بل هم أضلّ ، كما قال الله تعالى * ( ولا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ولا تَقُمْ عَلى قَبْرِه ) * [3] . وقول المجتبى عليه السّلام لمعاوية لمّا قال أعلمت ما صنعنا بأصحاب أبيك ؟ قال : « ما صنعتم ؟ قال : قتلناهم وغسلناهم وكفّناهم وصلَّينا عليهم ودفنّاهم ، قال عليه السّلام : خصمك القوم ، وأمّا نحن إن قتلنا
[1] مريم : 83 . [2] الاحتجاج : 381 ، اختيار معرفة الرجال : 190 ، منتهى الآمال 2 : 176 . [3] التوبة : 84 .