منها : ضرورة قبح الخطاب بظاهر وإرادة خلافه بدون نصب قرينة صارفة ، ومن المعلوم أن لا وجه لقبحه سوى الكذب ، والمفروض أن لا يترتّب عليه مفسدة سوى الإغراء بالجهل الكذبي . ومنها : أنّ التورية بمحض الإرادة لو كانت مخرجة عن اسم الكذب عرفا لجاز الكذب بها مطلقا حتّى لغير التقيّة والضرورة ، ولا للمصلحة المسوّغة عقلا أو شرعا ، بل حتّى في جميع الأقارير والوصايا والحلف واليمين الكاذبة والشهادات الباطلة إذا لم يترتّب عليها مفسدة خارجيّة ، بل جاز السبّ والقذف والكفر بمحض التورية ، بل لزم قبول الإنكار بعد الإقرار بدعوى التورية ، بل لزم سقوط الحدّ بدعوى التورية ، بل وقبول دعوى التورية في جميع العقود والإيقاعات الاختياريّة ولو لم تكن لإكراه أو مصلحة مسوّغة . واللوازم كلَّها باطلة بالضرورة ، فالملزوم مثلها . ومنها : أنّ التورية لو كانت مخرجة عن الكذب لما صحّ تكذيب المنافقين الشاهدين بالرسالة بقوله تعالى * ( والله يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ) * [1] ، ولا تكذيب المغرور في العصيان بكرم ربّه بقوله تعالى * ( كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ) * [2] ، ولا تكذيب الأعراب إذ قالوا : « أمنّا » بقوله تعالى * ( قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ) * [3] ، ولا تكذيب مدّعي المحبّة بقوله عليه السّلام : « لا تخدعنّ فللمحبّ دلائل » [4] إلخ . ومنها : لو كانت التورية مخرجة عن الكذب لوجب الخروج بها عنه في جميع المسوّغات الشرعيّة والعقليّة حتى في التقيّة والضرورة ، لوجود المخلص والمندوحة بالتورية عن الكذب ، ولا ضرورة مع المناصّ والمندوحة ، خصوصا
[1] التوبة : 107 . [2] الانفطار : 9 . [3] الحجرات : 14 . [4] لم نعثر عليه في مظانّه .