المقرون بالباطل ، والعكس في الترجيع الراجع إلى التجويد في القراءة لا الغناء . هذا ، ولكن توجيه العموم والجمع بينهما بذلك غير وجيه : أمّا أوّلا : فلمنع كون التعارض بينهما عموما من وجه ، بل هو من قبيل التباين الكلَّي فإنّ تحسين الصوت وترجيعه وتزيينه ، بقرينة الإضافة إلى القراءة ، وشاهد الحال القطعي من قراءة الأنبياء والأئمّة والصلحاء والعلماء والقرّاء السبعة وغيرهم خلفا عن سلف ، هو خصوص الترتيل المأمور به من حفظ الوقوف وأداء الحروف ، وما يرجع إليه من المدّ والتفخيم والترقيق ، وسائر ما يرجع إلى محسّنات القراءة وعلم التجويد . ولا ريب أنّه مبائن للغناء مباينة الضحك للبكاء والنكاح للزنا والبيع للربا ، خصوصا على اعتبار الطرب في الغناء ، فإنّ كلَّا من الموضوعين وإن اشتركا في السنخيّة والغاية إلَّا أنّهما كالمتضادّين لا يجتمعان ، كالملح في الطعام حيث إنّ المقدار المصلح منه للطعام يضادّ المقدار الزائد المفسد له في الاسم ، فلا يجتمعان في الإرادة ، ولا يعمّ أحدهما الآخر في الدلالة . وأمّا ثانيا : فلو سلَّمنا عدم الضدّية والبينونة بين الموضوعين وكون النسبة عموما من وجه في البين ، إلَّا أنّ هذا النحو من العموم في حكم المعدوم والتباين المعلوم عند أرباب العلوم ، لوجوده في كلّ سحت وحرام ، حتى اللواط بالغلام بالنسبة إلى أدلَّة الإحسان والإكرام ، وإدخال السرور في قلب الأيتام ، وحتى الزنا والسرقة بالنسبة إلى استحباب الصدقة ، وحتى بذل ثمن الخمر والعذرة بالنسبة إلى أدلَّة الحجّ والعمرة . ويشهد على ذلك قوله عليه السّلام : « لا يطاع الله من حيث يعصى » [1] و « لا طاعة لمخلوق في سخط الخالق » [2] . وكتابه عليه السّلام إلى معاوية : < شعر > سمعتك تبني مسجدا من جباية وأنت بحمد الله غير موفّق < / شعر >
[1] انظر مجمع البحرين 4 : 372 . [2] نهج البلاغة : 500 رقم 165 .