وأمّا حكمه الرجوع بعد هذا البيان إلى الإجمال والكتمان والحرمان والخسران ، فلعلّ حكمته شدّة الافتتان والامتحان في أبناء الزمان بهجر القرآن والأقران من خلفاء الرحمن ، والانهماك في العصيان وسخف الورع والإيمان ، وملاهي الچائيّ والقليان ، واتّباع الهوى والأوثان ، وكفرة يونان . * قوله : « ثمّ إنّ اللهو يتحقّق بأمرين ، أحدهما : قصد التلهّي وإن لم يكن لهوا ، والثاني : كونه لهوا في نفسه » . * أقول : إن اعتبر ظاهر إطلاق مناهي اللهو واللغو - كقوله تعالى * ( والَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) * [1] * ( لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ ) * [2] الآية ، وقوله عليه السّلام في جواب الصيد اللهو : « ما للمؤمن والملاهي ، إن المؤمن لفي شغل شاغل » [3] - فمن البيّن أن ظاهر إطلاقها هو تحقّق اللهو بكلّ واحد من الأمرين لا بمجموع الأمرين ، نظرا إلى أنّ ما كان لهوا في نفسه فلا مدخليّة للقصد في تحقّقه عرفا ، وما لم يكن لهوا في نفسه كان القصد محقّقا له من دون الانضمام إلى الآخر ، لأصالة عدم التخصيص . وأمّا خروج بعض التلهيّات كاللعب باللحية والسبحة - على تقديره وتقدير كونه من باب التخصيص لا التخصّص - فلا يوجب خروج الباقي ، لأنّ العامّ المخصّص حجّة في الباقي . وإن لم يعتبر ظاهرها ، بأن حملت على الكراهة أو فسّرت بالغناء ، فلا وجه لحرمة اللهو ولو جمع الأمرين . * قوله : « الجمع بين هذه الأخبار يمكن بوجهين » . * أقول : الفرق بين الوجهين : أنّ الأول تفصيل في حرمة الغناء من حيث موارده ، أعني : في مورد قراءة القرآن لا في غيره ، كالتفصيل بالعكس ، والتفصيل
[1] المؤمنون : 3 . [2] المنافقون : 9 . [3] مستدرك الوسائل 13 : 216 ب « 79 » من أبواب ما يكتسب به ح 4 .