قوله تعالى * ( السَّمْعَ والْبَصَرَ والْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْه مَسْؤُلًا ) * [1] ، ونصوص [2] حرمة ثمن الجارية المغنّية ، أظهر وأكثر وأصحّ وأصرح من الآية الاولى في الدلالة على حرمة مطلق الغناء ، فلتحمل الاولى عليها ، حملا للظاهر على الأظهر ، وكون الأخبار كالقرآن يفسّر بعضه بعضا . ومنها : أنّ الأبلغ في الكلام ، والأغلب بتفسير الإمام عليه السّلام ، والأوفق بما ورد [3] في المقام من أنّ القرآن ذو وجوه وبطون ، وإنما يفهم القرآن من خوطب به ، إنّما هو عدم حمل تفسير قول الزور بالغناء على التفسير بالأخصّ ، بل حمله على التفسير بالأعمّ أو بالفرد الخفيّ والأخفى ، لأنّه محلّ الحاجة والبلوى . * قوله : « فالمحرّم هو ما كان من لحون أهل الفسق والمعاصي . . إلخ » . * أقول : فيه أوّلا : أنّه وإن ورد : « أقروا القرآن بألحان العرب وأصواتها ، وإيّاكم ولحون أهل الفسق والكبائر ، فإنّه سيجيء بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانيّة . . » الخبر [4] ، ألَّا أنّ لحون أهل الفسوق مجمل المراد غير مضبوط المفاد من حيث الكمّ والكيف ، فلا يحمل عليها ما هو أبين وأظهر وأكثر وأجلى وأصحّ وأصرح من نصوص الغناء ، إذ كما يحتمله يحتمل السرعة في قراءة القرآن أو تفريق كلماته ، كما ورد : لا تهذّه هذّ الشعر ، ولا تنثره نثر الرمل ، ولا على وجه القساوة ولا الغفلة ، بل أقروه بالحزن والرقّة والبكاء والتباكي وتحسين الصوت وحضور القلب والترتيل والوجل ، إلى غير ذلك ممّا هو أعمّ من الغناء مطلقا أو من وجه .
[1] الوسائل 12 : 231 ب « 99 » من أبواب ما يكتسب به ح 29 ، والآية ، الأسراء : 36 . [2] الوسائل 12 : 86 ب « 16 » من أبواب ما يكتسب به ح 6 . [3] لم نجده بهذا اللفظ ووجدناه بألفاظ اخرى ، انظر البحار 92 : 78 ب « 8 ) . [4] الوسائل 4 : 858 ب « 24 » من أبواب قراءة القرآن ح 1 .