وثانيا : لو سلَّمنا المدار عليه فالنهي إنّما هو عن إعماله في خصوص قراءة القرآن لا مطلقا ، كما هو المدّعى . وثالثا : لو سلَّمنا إطلاق النهي عنه ، لكن مقتضى القاعدة ملاحظة النسبة بينه وبين سائر نصوص النهي عن الغناء ، والرجوع إلى حمل المطلق منهما على المقيّد والعامّ على الخاصّ ، دون العكس وهو التعدّي عن الغناء لو كان أخصّ إلى مطلق الصوت اللهوي . إلَّا أن يوجّه بإرجاع النزاع إلى تعارض اللغات ، الراجع فيه إلى تقديم المثبت على النافي ، أي : العامّ على الخاصّ . ولكن ينافيه الرجوع في تعارض كونه مطلق الترجيع أو الخاصّ بالمطرب إلى ترجيح الخاصّ بالطرب على مطلق الترجيع . إلَّا أن يوجّه تقديم المثبت على النافي هناك ، بدعوى رجوع النافي فيه إلى أنّه لا أدري الإثبات الراجع إلى الدراية ، وتقديم النافي هنا بدعوى رجوعه إلى الاطَّلاع على خطأ المثبت ، واستناد إثباته إلى مجرّد الاستعمال الأعمّ من الحقيقة ، أو الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقّن ، والرجوع فيما عداه من الشبهة الحكميّة التحريميّة إلى أصالة الإباحة . ولكن الفارق بين النفيين غير بيّن ، ولا مبيّن في البين ، بل البيّن والمبيّن بحسب القواعد رجوع التعارض على تقديره في الأوّل إلى تعارض النصّين ، المحكوم فيه بتحكيم الخاصّ على العامّ ، وفي الثاني إلى تعارض قول اللغويّين المحكوم فيه بالعكس ، وهو تحكيم العامّ على الخاصّ . فتلخّص ممّا ذكرنا : أنّ مقتضى القواعد ورعاية البلاغة والحكم والمصالح المقتضية لتفسيره عليه السّلام جميع آيات الزور واللهو واللغو واللعب بالغناء [1] لا غير ، إنّما هو جعل المدار في المحرّم من تعارض نصّي الغناء وغيره على الغناء وجودا
[1] الوسائل 12 : 225 ب « 99 » من أبواب ما يكتسب به .