وممّا يستلزم كذبهم وبطلانهم اتّفاق نصوص المعصومين على انحصار سبب الخسوفين والزلازل - كسائر الأسباب المخوفة - في كثرة المعاصي المسبّبة لانطماس النيّر في بحر فلكه ، وحيلولة الفلك بينه وبين الأبصار بأمر الملائكة الموكَّلين عليه ، كما يشهد عليه الأمر بالفزع والجزع والصلاة والدعاء لردّهما وكشفهما [1] ، لأنهما من أعظم آيات العظمة والنعم الجسيمة ، فإذا بلغت الذنوب إلى حدّ الكثرة توجّهت النقمة إلى انطماس النعمة في بحر فلكه ، على عكس ما زعمه المنجّمون من أن سبب الخسوف حيلولة الأرض للقمر والكسوف حيلولة القمر للشمس . والعقل البديهي حاكم على قبح ترجيح المرجوح وهو تصديق مثل المنجّم والكاهن والساحر الكاذب من النفوس الشريرة ، وتكذيب المخبر الصادق من النفوس الطاهرة القدسيّة . فإن قلت : لو لم تكن الحيلولة سبب الخسوفين فمن أين يعرف الحال بها في البين ؟ قلت : حصول معرفة الكسوفين بالحيلولة في البين لا يقتضي سببيّة الحيلولة للكسوفين ، ولا ينافي كون الحيلولة أو ما يؤدّي إليها من العلامات المقارنة علامة لسبب الخسوفين ، وهو انغماس النيّرين في بحر الفلك ، لا أنها نفس السبب المخسف ، كما أن طلوع النجم المغربي علامة مقارنة لغروب الشمس ، لا أنه سبب غروبها وأن غروبها بسبب حيلولته ، وكما أن سرعة النبض وحرارة الملمس علامة مقارنة للحمى ، لا أنهما سبب الحمى ، بل السبب لها هو تعفّن الأخلاط وحيلولته . فإن قلت : لو كان سبب الخسوفين كثرة المعاصي وعظمها لا الحيلولة ، فما وجه اختصاص الخسوف بمنتصف الشهر والكسوف بآخره ، مع اشتراك الأزمنة
[1] من لا يحضره الفقيه 1 : 340 ح 1 ، البحار 26 : 10 ح 2 .