والواقع أن منع الإسلام من اكتناز النقود ليس مجرد ظاهرة عرضية في التشريع الإسلامي ، بل إنه يعبر عن أحد أوجه الخلاف الخطير بين المذهب الإسلامي والمذهب الرأسمالي ، ويعكس الطريقة التي استطاع الإسلام بها أن يتخلص من مشاكل الرأسمالية الناجمة عن شذوذ الدور الرأسمالي للنقد الذي يؤدي إلى أخطر المضاعفات ، ويهدد حركة الإنتاج ويعصف بالمجتمع الرأسمالي باستمرار . ولكي يتضح لا خلاف الخطير بين المذهبين ، في هذه النقطة ، يجب أن نميز بين الدور الأصيل للنقد والدور الطارئ الذي يمارسه في ظل الرأسمالية ، وندرك اختلاف هذين الدورين في نتائجهما وآثارهما على حركة الإنتاج وغيرها . فالنقد بطبيعته أداة للتبادل ، وقد استخدمه الإنسان في المبادلة تفادياً من مشاكل المقايضة ، التي كانت تتولد عن مبادلة المنتجات بشكل مباشر . فقد وجد المنتجون الأوائل بعد تقسيم العمل ، وإقامة حياتهم على أساس المبادلة ، ان من الصعب عليهم تبادل منتوجاتهم مباشرة ، لأن منتج الحنطة ، إذا احتاج في حياته إلى صوف ، فلا يستطيع الحصول عليه من منتج الصوف في مقابل الحنطة ، إلا إذا كان صاحب الصوف بدوره محتاجاً إلى حنطة . والراعي إذا أراد الحصول على حاجته اليومية من الحنطة ، فسوف لن يقدر على ذلك عن طريق المقايضة ، لأن الغنم الذي يرعاه تزيد قيمته على قيمة ذلك . وإضافة إلى هذا فان المبادلة المباشرة للمنتجات ، كانت تواجه صعوبة تقدير قيم الأشياء المعدة للمبادلة . إذ كان لا بد لمعرفة قيمة السلعة من مقارنتها بجميع السلع الأخرى ، حتى تعرف قيمتها بالنسبة إليها جميعاً [1] فكان اختراع النقد علاجاً لهذه المشاكل كلها إذ قام بدور المقياس العام للقيمة من ناحية ، وأصبح أداة للمبادلة من ناحية أخرى ، فهو من الناحية الأولى يستخدم كمحدد لقيم الأشياء ، فبمقارنة سائر السلع بالسلعة التي أنتجت لتكون نقداً تحدد قيمتها . ومن الناحية الثانية يستعمل النقد وسيلة للتداول ، فبعد أن كان التداول يقوم على أساس المقايضة ، وبيع