حنطة بصوف ، جاءت النقود فحوّلت عملية البيع هذه إلى عمليتين وهما البيع والشراء ، فصاحب الحنطة يبيع الحنطة بمئة درهم ، ثم يمارس عملية أخرى ، فيشتري بهذا النقد حاجته من الصوف . وبهذا قامت مبادلتان مقام المبادلة المباشرة بين المنتجات ، وزالت بسبب ذلك كل الصعوبات التي كانت تنجم عن نظام المقايضة . وهكذا نعرف أن الدور الأصيل الذي وجد النقد ليمارسه ، هو دور المقياس العام للقيمة ، والأداة العامة في التداول . ولكن النقد بعد ذلك لم يقتصر على أداة دوره ، وممارسة وظيفته في التغلب على تلك الصعاب والمشاكل بصلة ، وهو دور الاكتناز والادخار . وذلك أن دخول النقد في مجال التداول ، حوّل العملية الواحدة - بيع الحنطة بصوف - إلى عمليتين ، وأصبح منتج الحنطة يبيع منتوجه ثم يشتري الصوف ، بعد أن كان يبيع الحنطة ويشتري الصوف في مبادلة واحدة وهذا الفصل بين عمليتين بيع الحنطة وشراء الصوف ، أتاح لبائع الحنطة أن يؤجل شراء الصوف ، بل جعل في ميسورة أن يبيع الحنطة لا لشيء إلا لرغبته في تحويل الحنطة إلى نقد ، والاحتفاظ بالنقد إلى وقت الحاجة . فنشأ عن ذلك دور النقد بوصفه أداة لاكتناز المال وادخاره . وقد لعب هذا الدور الطارئ للنقد كأداة للاكتناز ، أخطر لعبة في ظل الرأسمالية التي شجعت الادخار ، جعلت من الفائدة أكبر قوة للاغراء بذلك ، فأدى هذا إلى اختلال التوازن بين الطلب الكلي والعرض الكلي لمجموع السلع الإنتاجية والاستهلاكية ، بينما كان هذا التوازن مضموناً في عهد المقايضة التي تقوم على أساس المبادلة المباشرة بين المنتجات ، لأن المنتج في تلك العهود لم يكن ينتج إلى ليستهلك ما ينتجه ، أو يستبدله بسلعة أخرى يستهلكها ، فالسلعة التي تنتج تضمن دائماً طلباً بقدرها فيتساوى الإنتاج والاستهلاك ، أو العرض الكلي مع مجموع الطلب . وأما في عصر النقد ، بعد انفصال علمية الشراء عن البيع ، فليس من الضروري للمنتج أن يكون لديه طلب يساوي السعلة التي تنتجها ، إذ قد ينتج بقصد أن يبيع