أن يكون وليد المحراث والتجارة البدائية أو الصناعية اليدوية . وما إليها من وسائل المعيشة التي كانت كل المجتمعات تعرفها . يقولون : إن هذا الوعي ، أو هذا الانقلاب الاجتماعي ، بل هذا المد الإسلامي الهائل الذي امتد إلى تاريخ العالم كله . . كان نتيجة للنمو التجاري وللأوضاع التجارية في مكة ، التي كانت تتطلب إنشاء دولة ثابتة وتدعيمها بكل متطلباته الاجتماعية والفكرية التي تلائم الوضع التجاري السائد ! ! وحقاً إنه تفسير طريف ، أن يفسر هذا التحول التاريخي الشامل في حياة الانسانية كلها بالظروف التجارية لبلدة من بلاد جزيرة العرب . ولا أدري كيف سمحت الظروف التجارية لمكة بهذا الدور التاريخي الجبار ، دون غيرها من البلاد العالمية والعربية ، التي شهدت مدنيات أضخم وشروطاً مادية أرقى ، وكانت تفوق مكة في ظروفها السياسية والاقتصادية ؟ ! أفلم يكن من المحتوم في المنطق المادي للتاريخ أن ينبثق التطور الاجتماعي الجديد من تلك البلاد ؟ ! فكيف استطاعت ظروف تجارية معنية في بلد كمكة أن تخلق تاريخاً إنسانياً جديداً . بينما عجزت عن مثل ذلك ظروف مشابهة ، أو ظروف أكثر منها تطوراً ونمواً ؟ فلئن كانت مكة تتمتع بظرف تجاري مناسب لمرور التجارة بها بين اليمن وسوريا ، فقد كان الأنباط يتمتعون بظروف تجارية مهمة حين أنشأوا ( بطرا ) كمحطة للطرق التجارية ، وأنشأوا فيها مدنية من أرقى المدنيات العربية ، حتى امتد نفوذهم إلى ما يجاورهم من البلاد ، وأقاموا فيها حاميات للقوافل التجارية وأماكن لاستغلال المناجم ، وأصبحت مدينتهم ردحاً من الزمن المدينة الرئيسية للقوافل ومركزاً تجارياً مهماً ، وامتد نشاطهم التجاري إلى مناطق واسعة ، حتى وجدت آثار تجارتهم في سلوقية وموانئ سورية والإسكندرية ، وكانوا يتاجرون بالأفاويه من اليمن ، والحرير من الصين والحناء من عسقلان ، والزجاج وصبغ الأرجوان من صيدا وصور ، واللؤلؤ من الخليج الفارسي والخزف من روما ، وينتجون في بلادهم الذهب والفضة والقار ،