وتحدى الإسلام المنطق التاريخي المزعوم مرة ثالثة ، فيما أقام من علاقات التوزيع ، التي لم يكن من الممكن في حساب الاقتصاد الاشتراكي ، أن تقوم في مجتمع قبل أن يبلغ درجة من المرحلة الصناعية والآلية في الإنتاج . فقلص من دائرة الملكية الخاصة ، وضيق من مجالها ، وهذّب من مفهومها ، ووضع لها الحدود والقيود ، وفرض عليها كفالة الفقراء ، ووضع إلى جانبها الضمانات الكافية لحفظ التوازن والعدالة في التوزيع [1] ، وسبق بذلك الشروط المادية - في رأي الماركسية - لهذا النوع من العلاقات . فبينما يقول القرن الثامن عشر : ( لا يجهلن سوى الأبله أن الطبقات الدنيا يجب ، تظل فقيرة ، وإلا فإنها لن تكون مجتهدة ) [2] . ويقول القرن التاسع عشر : ( ليس للذي يولد في عالم تم امتلاكه حق في الغذاء إذا ما تعذر عليه الظفر بوسائل عيشه عن طريق عمله أو أهله ، فهو طفيلي على المجتمع لا لزوم لوجوده ، إذ ليس له على خوان الطبيعة مكان ، والطبيعة تأمره بالذهاب ولا تتوانى في تنفيذ أمرها هذا ) [3] ، بينما يقول العالم هذا حتى بعد مجيء الإسلام بقرون ، يقول الإسلام - على ما جاء في الحديث - معلناً مبدأ الضمان الاجتماعي . ( من ترك ضياعاً فعلي ضياعه ، ومن ترك ديناً فعلي دينه ) [4] ، ويعلن الاقتصاد الإسلامي بوضوح : أن الفقر والحرمان ليس نابعاً من الطبيعة نفسها ، وإنما هو نتيجة سوء التوزيع والانحراف عن العلاقات الصالحة التي يجب أن تربط الأغنياء بالفقراء ، فيقول [5] - على ما جاء في الحديث : ( ما جاع فقير إلا بما متع غني ) [6] . إن هذا الوعي الإسلامي لقضايا العدالة الاجتماعية في التوزيع ، الذي لم يوجد نظيره حتى في مجتمعات أرقى من المجتمع الإسلامي في شروطه المادية ، لا يمكن
[1] لاحظ الوسائل ج 6 ، ص 10 ، الباب 3 ، وص 178 ، الباب 24 ، وجواهر الكلام ج 22 ، ص 9 . [2] النص لأحد كتاب القرن الثامن عشر ، وهو أثر يونج . من المؤلف [3] النص لمالتس الذي عاش في بداية القرن التاسع عشر . من المؤلف [4] الوسائل ج 13 ، ص 92 ، الحديث 23796 . [5] لاحظ الوسائل ج 6 ، ص 3 و 4 وج 11 ، ص 521 ، والميزان ج 13 ، ص 60 - 62 . [6] نهج البلاغة ص 533 ، الحكمة 328 . وفي بعض النسخ : بما منع .