وفي النزر اليسير مما يحدثنا به التاريخ عن نتائج التجربة الإسلامية وروائعها ، ما يلقي ضوءاً على إمكانات الخير المكتنزة في نفس الانسان ، ويكشف عن الطاقة الرسالية في الإسلام ، التي استطاع بها أن يجند تلك الإمكانات ، ويستثمرها لصالح القضية الإنسانية الكبرى . فقد ورد في تاريخ تلك التجربة الذهبية : إن جماعة من غير ذوي اليسار والثروة جاءوا إلى رسول الله ( ص ) قائلين : ( يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجور ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم . فأجاب النبي قائلاً : أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به ، إن لكم بكل تسبيحة صدقة ، وبكل تكبيرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ) . فهؤلاء المسلمون الذين احتجوا بين يدي الرسول ( ص ) على واقعهم ، لم يكونوا يردون الثروة ، بوصفها أداة من أدوات المنعة والقوة أو ضماناً لإشباع الرغبات الشخصيّة ، وإنما عز عليهم أن يسبقهم الأغنياء في المقاييس المعنوية ، بألوان البر والإحسان وبالمساهمة في المصالح العامة على الصعيد الاجتماعي . وهذا يعكس مفهوم الثروة وطبيعة الإنسان المسلم ، في ظل تجربة إسلامية كاملة للحياة . وجاء في وصف الإجارات والتجارات في المجتمع الإسلامي ، ما حدث به الشاطبي ، إذ كتب يقول : ( ( نجدهم في الإجارات والتجارات لا يأخذون إلا بأقل ما يكون من الربح أو الأجرة ، حتى يكون ما حاول أحدهم من ذلك كسباً لغيره لا له . ولذلك بالغوا في النصيحة فوق ما يلزمهم ، كأنهم وكلاء للناس لا لأنفسهم بل كانوا يرون المحاباة لأنفسهم - وإن جازت - كالغش لغيرهم ) ) . وتحدث محمد بن زياد عن شيء من مظاهر التعاون والتكافل في المجتمع الإسلامي فقال : ( ربما نزل على بعضهم الضيف ، وقدر أحدهم على النار ، فيأخذ صاحب الضيف لضيفه ، فيفقد القدر صاحبها ، فيقول : من أخذ القدر ، فيقول صاحب الضيف : نحن أخذناها لضيفنا ، فيقول صاحب القدر : بارك الله لكم فيها ) .