تتكشف نتائج البحث حينئذ عن القوانين الجارية ضمن تلك الإطارات خاصة . وعلى سبيل المثال نذكر القاعدة الرئيسية ، التي وضع في ضوئها كثير من قوانين الاقتصاد الكلاسيكي ، وهي : القاعدة التي تجرد من الإنسان الاجتماعي المحسوس : إنساناً اقتصادياً ، يؤمن بالمصلحة الشخصيّة كهدف أعلى له في كل ميادين النشاط الاقتصادي . فقد افترض الاقتصاديون - منذ البدء - أن كل فرد في المجتمع يستوحي اتجاهه العملي في نشاطه الاقتصادي ، من مصلحته المادية الخاصة دائماً ، وأخذوا يستكشفون القوانين العلمية التي تتحكم في مثل هذا المجتمع . وقد كان افتراضهم هذا على نصيب كبير من الواقع ، بالنسبة إلى المجتمع الرأسمالي الأوروبي ، وطابعه الفكري والروحي ومقاييسه الخلقية والعملية . غير أن من الممكن أن يحدث تحول أساسي في القوانين الاقتصادية لحياة المجتمع ، بمجرد تغيير هذا الأساس ، ومواجهة مجتمع يختلف عن المجتمع الرأسمالي ، في القاعدة العامة لسلوك أفراده ، وفي الأفكار والقيم التي يؤمنون بها ، وليس هذا افتراضاً نفترضه ، وإنما هو واقع نتحدث عنه . فإن المجتمعات تختلف في العوامل التي تحدد لها دوافع السلوك ، والقيم العملية في الحياة . ولنأخذ مثلاً لذلك ، المجتمع الرأسمالي ، والمجتمع الذي دعا اليه الإسلام ، وتمكن من إخراجه إلى حيز الوجود . فقد عاش في ظل الإسلام مجتمع بشري من لحم ودم ، تختلف القاعدة العامة لسلوكه ومقاييسه العملية ، ومحتوياته الروحية والفكرية . . عن المجتمع الرأسمالي كل الاختلاف . فإن الإسلام - بوصفه ديناً ومذهباً خاصاً في الحياة - وإن كان لا يعالج أحداث الاقتصاد معالجة علمية ، ولكنه يؤثر على هذه الأحداث ومجراها الاجتماعي عن الحياة ودوافعه وغاياته ، فيصهره في قالبه الخاص ، ويصوغه في إطاره الروحي والفكري ، وبالرغم من أن التجربة التي خاضها الإسلام في سبيل إيجاد هذا المجتمع كانت قصيرة ، قد أسفرت عن أروع النتائج التي شهدتها حياة الإنسان ، وبرهنت على إمكان التحليق بالإنسان إلى آفاق ، لم يستطع أن يتطلع إليها أفراد المجتمع الرأسمالي ، الغارقون في ضرورات المادة ومفاهيمها إلى رؤوسهم .