ومنها : أن يتوكَّل حاضر عارف بسعر البلد لباد غريب جاهل غافل بأن يصير وكيلًا عنه في البيع والشراء ، ففي النبوي : « لا يبيع حاضر لباد ، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض » ، وفي النبوي الآخر : « دعوا الناس على غفلاتها » . ومنها : تلقّي الركبان والقوافل واستقبالهم للبيع عليهم أو الشراء منهم قبل وصولهم إلى البلد ، وقيل يحرم وإن صحّ البيع والشراء لو تلقّى وباع أو اشترى ، وهو الأحوط وإن كان الأظهر الكراهة ، وإنّما يكره أو يحرم بشروط : أحدها : كون الخروج بقصد ذلك ، فلو خرج لا لذلك فاتّفق الركب لم يثبت الحكم . ثانيها : تحقّق مسمّى الخروج من البلد ، فلو تلقّى الركب في أوّل وصوله إلى البلد لم يثبت الحكم . ثالثها : أن يكون دون الأربعة فراسخ ، فلو تلقّى في الأربعة فصاعداً لم يثبت الحكم بل يكون سفر تجارة ، وفي اعتبار كون الركب جاهلًا بسعر البلد فيما يبيعه أو يشتريه وجه [1] وإن كان الأحوط التعميم ، وهل يعمّ الحكم غير البيع والشراء كالإجارة ونحوها ؟ وجهان . ( مسألة 23 ) : الاحتكار وهو حبس الطعام وجمعه يتربّص به الغلاء حرام مع ضرورة المسلمين وحاجتهم وعدم وجود من يبذلهم قدر كفايتهم ، فعن النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « طرق طائفة من بني إسرائيل ليلًا عذاب وأصبحوا وقد فقدوا أربعة أصناف : الطبّالين والمغنّين والمحتكرين للطعام والصيارفة أكلة الربا منهم » ، وعنه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « لا يحتكر الطعام إلَّا خاطئ » ، وعنه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) عن جبرئيل ( عليه السلام ) : « اطَّلعت في النار فرأيت وادياً في جهنّم يغلي فقلت : يا مالك لمن هذا ؟ فقال : لثلاثة : المحتكرين والمدمنين للخمر والقوّادين » . نعم مجرّد حبس الطعام انتظاراً لعلوّ السعر مع عدم ضرورة الناس ووجود الباذل ليس بحرام وإن كان مكروهاً . ولو لم يحبسه للبيع في زمان الغلاء ، بل كان لصرفه في محاويجه لا حرمة ولا كراهة . وإنّما يتحقّق الاحتكار بحبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والدهن ، وكذا الزيت والملح على الأحوط لو لم يكن أقوى [2] بل لا يبعد تحقّقه في كلّ ما يحتاج إليه عامّة
[1] والأقوى عدم اعتباره . [2] بل الأقوى عدم تحقّقه إلَّا في الغلَّات والسمن والزيت ، نعم هو أمر مرغوب عنه في مطلق ما يحتاج إليه الناس ، لكن لا تثبت له أحكام الاحتكار .