طالب إلى أخيه المعروف بابن الحنفية ، إن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، جاء بالحق من عند الحق ، وأن الجنة والنار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ( صلى الله عليه وآله ) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب ، فمن قبلني بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، وهو خير الحاكمين [1] . وفي وصيته هذه ( عليه السلام ) دقائق ولطائف ، نشير إلى بعضها : منها : أن مبدأ الوجود هو الحق ومعاد الوجود إلى الحق ، والوسط بين المبدأ والمنتهى وهو صراط الله المستقيم الذي جاء به عبده ورسوله هو الحق ، فلا مناص للإنسان إلا من قبول الحق ، فإن قبل فالله أولى بالحق ، وإن رد فيقضي الله عليه بالحق . فقد أفاد بهذا البيان أن مسيره ( عليه السلام ) من الحق للحق إلى الحق ، وأن ما يصدر ممن غلب هواه على عقله ، إما من الشهوة التي حاصلها الأشر والبطر ، وإما من الغضب الذي غايته الإفساد والظلم ، والأمة التي وصفها الله سبحانه بقوله : { كنتم خير أمة أخرجت للناس } [2] ، تتبدل بهاتين الآفتين إلى شر الأمم ، فلا بد من الخروج لطلب الإصلاح ، ولا إصلاح إلا بقول وعمل ، والقول هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنطاقهما الواسع لكل ما عرفه وأنكره العقل والوحي ، والعمل هو سيرة أشرف الأنبياء وسيد الأوصياء صلوات الله عليهما .
[1] العوالم ، للإمام الحسين ( عليه السلام ) ، ص 179 ، وبتفاوت في مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 89 . [2] سورة آل عمران : 110 .