وإنما قالوا إنه تنوين مقابلة ، إذ لو كانت للتمكن [1] لم تثبت في قوله تعالى : " من عرفات " [2] ، ولو كانت للتنكير لم تثبت في الاعلام ، وليست عوضا عن المضاف إليه ولا للترنم ، فلم يبق إلا أن يقال هي في جمع المؤنث في مقابلة النون في جمع المذكر ، لان هذا معنى مناسب ، ألا ترى إلى جعلهم نصب هذا الجمع تابعا للجر ، كما في جمع المذكر ، فالنون [3] في جمع المذكر قائم مقام التنوين التي في الواحد ، في المعنى الجامع لاقسام التنوين فقط ، وهو كونه علامة تمام الاسم ، وليس في النون شئ من معاني الأقسام الخمسة المذكورة ، فكذلك التنوين التي في جمع المؤنث السالم علامة لتمام الاسم فقط ، وليس فيها أيضا ، شئ من تلك المعاني ، لكنهم حطوها عن النون بسقوطها مع اللام وفي الوقف دون النون لان النون أقوى وأجلد بسبب حركتها . وقال الربعي [4] ، وجار الله [5] : ان التنوين في نحو مسلمات للصرف ، قال جار الله ، وإنما لم تسقط في عرفات : لان التأنيث فيها ضعيف لان التاء التي كانت [6] فيها لمحض التأنيث سقطت ، والتاء فيها علامة لجمع المؤنث . وفيما قاله نظر ، لان " عرفات " مؤنث وإن قلنا إنه لا علامة تأنيث فيها ، لا متمحضة للتأنيث ولا مشتركة ، لأنه لا يعود الضمير إليها إلا مؤنثا تقول : هذه عرفات مباركا فيها ولا يجوز : مباركا فيه ، إلا بتأويل بعيد [7] كما في قوله :
[1] أي التنوين ، وكذا في قوله لم تثبت . [2] من الآية 198 من سورة البقرة . [3] تحدث هنا عن النون بلفظ المذكر فقال قائم ، ثم تحدث عن التنوين فوصفه بالتي . . وقد أشرنا إلى ذلك في الصحيفة السابقة . [4] الربعي نسبة إلى ربيعة ، وهو أبو الحسن علي بن عيسى الربعي من علماء القرن الخامس ، أخذ عن السيرافي والفارسي ، توفي ببغداد سنة 420 ه . [5] جار الله : هو العلامة محمود بن عمر الزمخشري ، أقام بمكة زمنا إلى جوار الحرم الشريف فأطلق عليه جار الله ، توفي سنة 538 ه والرضى يذكره بلقبه ، ونسبته . [6] في النسخة المطبوعة : لان التاء التي فيها كانت لمحض التأنيث . ولا يفهم المقصود منها إلا بتكلف ، وإصلاحها إلى ما أثبتناه يوضح المراد منها ، وربما كان ما في المطبوعة تحريفا . [7] بأن يراد من عرفات المكان أو الموضع .