وليس لي في تأليفه من الافتخار ، أكثر من حسن الاختيار ؛ واختيار المرء قطعة من عقله ، تدلّ على تخلَّفه أو فضله ؛ ولا شكّ - إن شاء اللَّه - في استجادة ما استجدت ، واستحسان ما أوردت ؛ إذ كان معلوما أنه ما انجذبت نفس ، ولا اجتمع حسّ ، ولا مال سر ، ولا جال فكر ، في أفضل من معنى لطيف ، ظهر في لفظ شريف ؛ فكساه من حسن الموقع ، قبولا لا يدفع ، وأبرزه يختال من صفاء السبك [ ونقاء السّلك ] وصحة الدّيباجة ، وكثرة المائية ، في أجمل حلة ، وأجلى حلية : < شعر > يستنبط الروح اللطيف نسيمه أرجا ، ويؤكل بالضمير ويشرب [1] < / شعر > وقد رغبت في التجافي عن المشهور ، في جميع المذكور ، من الأسلوب الذي ذهبت إليه ، والنحو الذي عوّلت عليه ؛ لأن أوّل ما يقرع الآذان ، أدعى إلى الاستحسان ، مما مجّته [2] النفوس لطول تكراره ، ولفظته [3] العقول لكثرة استمراره ؛ فوجدت ذلك يتعذّر ولا يتيسر ، ويمتنع ولا يتّسع [4] ؛ ويوجب ترك ما ندر إذا اشتهر ؛ وهذا يوجب في التصنيف دخلا [5] ، ويكسب التأليف خللا ؛ فلم أعرض إلَّا عما أهانه الاستعمال ، وأذاله الابتذال [6] ؛ والمعنى إذا استدعى القلوب إلى حفظه ، ما ظهر من مستحسن لفظه ؛ من بارع عبارة [7] ، وناصع استعارة ، وعذوبة مورد ، وسهوله مقصد ، وحسن تفصيل ، وإصابة تمثيل ؛ وتطابق أنحاء ، وتجانس أجزاء ، وتمكَّن ترتيب ، ولطافة تهذيب ، مع صحّة طبع وجودة إيضاح ، يثقفه تثقيف القداح ، ويصوره أفضل تصوير ، ويقدّره أكمل تقدير ؛ فهو مشرق
[1] يستنبط : يستخرج [2] مجته : مقتته [3] لفظته : رمته [4] يتسع : يسهل [5] الدخل والدخل : العيب ، ونخلة مدخولة : عفنة الجوف [6] أذاله : أهانه [7] من إضافة الصفة للموصوف ، أي عبارة بارعة ، وكذلك ما بعده