وقولهم في صفات الغلمان : جاءنا في غلالة تنمّ على ما يستره ، وتحنو مع رقتها على ما يظهره . الجنة مجتناة من قربه ، وماء الجمال يترقرق في خده ، ومحاسن الربيع بين سحره ونحره ، والقمر فضلة من حسنه . له طرّة كالغسق ، على غرة كالفلق . الحسن ما فوق أزراره ، والطيب ما تحت إزاره . هو قمر في التصوير ، وشمس في التأثير . وجه بماء الحسن مغسول ، وطرف عرود السحر مكحول شادن فاتر طرفه ، ساحر لفظه ، تكاد القلوب تأكله ، والعيون تشربه . السحر في ألحاظه ، والشّهد في ألفاظه . . إلخ . ولقد ظلت هذه التعابير الوصفية منبعا يستقى منه الكتّاب إلى العصر الحديث ، والنقاد في مصر أعجبوا بقول حافظ إبراهيم في وصف الصهباء : < شعر > خمرة قيل إنهم عصروها من خدود الملاح في يوم عرس < / شعر > وهو خيال سبق إليه كتاب القرن الرابع ، وردده ابن خفاجة إذ قال : < شعر > وشربتها عذراء تحسب أنها معصورة من وجنتى عذراء < / شعر > وقد ظن أستاذنا الدكتور طه حسين أن حافظ إبراهيم أول من ألمّ بهذا [1] الخيال فنقده وسفّهه حين عرض لنقد ترجمة البؤساء . فلينقل المعركة إذن إلى ميدان القرن الرابع ، وإن كنت لا أدرى كيف يعاف الشراب المعصور من خدود الملاح . وكذلك أعجب النقاد بقول السيد توفيق البكري في وصف النساء « صدور كالإغريض ، أو صدور البزاة البيض »
[1] الذي أذكره أن أدباء مصر ذهبوا إلى أن حافظا امتاز بذكر قيد « في يوم عرس » فأما أصل التشبيه فما أحسب أنه غاب عنهم أن حافظا مسبوق به ، وإنما خص يوم العرس لكثرة ما يغطى الحسان فيه وجوههن بالأصباغ وألوان التحاسين . ولهذا مدخل في التشبيه ( م ) .