وهذه الأشياء وإن كانت ناقصة عن المسك ، فهي ممدوحة بالطيب ، غير مستغنى عن ذكرها في التشبيه ؛ فأما زيادته على جميع من تعاطى مدح السواد فقوله : سوداء لم تنتسب إلى برص الشّقر ولا كلفة ولا بهق [1] والأبيض الشديد البياض معيب ، وقد دلّ عليه قوله : < شعر > وبعض ما فضّل السواد به والحقّ ذو سلَّم وذو نفق ألَّا يعيب السّواد حلكته وقد يعاب البياض بالبهق [2] < / شعر > قوله : « الحق ذو سلَّم وذو نفق » أراد أنّ الحقّ يتصرّف في جهات ، وضرب الصعود والنزول لذلك مثلا ؛ ثم قصد لوصف هذه السوداء بالكمال في الصفة ؛ ومن عيب السّودان أن أكفّهم عابسة [3] متشقّقة ، وأطرافهم ليست بناعمة لينة ، وكذلك لا يزال الفلح في شفاههم ، وهي الشقوق المذمومة الموجودة في أكثر السودان في أوساط الشفاه ، وأيضا فإن الأسود مهجو بخبث العرق ، فنفى هذه الصفات المذمومة الموجودة في أكثر السودان عنها ، فقال : ل < شعر > يست من العبس الأكفّ ولا ال فلح الشّفاه الخبائث العرق < / شعر > ثم عاج بخاطره على وصف هذه السوداء بأضداد تلك الصفات المذمومة ، فقال : < شعر > في لين سمّورة تخيّرها الفرّاء أو لين جيّد الدّلق [4] < / شعر > ومن بديع مدح السوداء قوله : < شعر > أكسبها الحبّ أنها صبغت صبغة حبّ القلوب والحدق فانصرفت نحوها الضمائر وال أبصار يعشقن أيّما عشق < / شعر > فأخبر أنّ القلوب إنما أحبتها بالمجانسة التي بينها وبين حبّ القلوب من السواد ، وكذلك الحدق .
[1] الكلفة : النمش يوجد في الوجه ، والبرص والبهق معروفان [2] الحلكة : شدة السواد ، ومنه قولهم : ظلام حالك [3] عابسة : يابسة ، وفعله عبس - من باب فرح - أي يبس ( م ) . [4] الدلق : دويبة كالسمورة