يجد ، ولا يكثر إذا وجد ، وكان خارجا من سلطان فرجه ، فلا تدعوه إليه مؤنة ، ولا يستخف له رأيا ولا بدنا . وكان لا يتأثر عند نعمة ، ولا يستكين عند مصيبة . وكان خارجا من سلطان لسانه ، فلا يتكلَّم بما لا يعلم ، ولا يمارى فيما علم ، وكان خارجا من سلطان الجهالة ، فلا يتقدّم [1] أبدا إلا على ثقة بمنفعة ، وكان أكثر دهره صامتا ، فإذا قال بزّ القائلين [2] ، وكان ضعيفا مستضعفا ، فإذا جدّ الجدّ [3] فهو اللَّيث عاديا [4] . وكان لا يدخل في دعوى ، ولا يشارك في مراء [5] ، ولا يدلى بحجّة حتى يرى قاضيا فهما [6] وشهودا عدولا . وكان لا يلوم أحدا فيما يكون العذر في مثله حتى يعلم ما عذره . وكان لا يشكو وجعه إلَّا عند من يرجو عنده البرء ، ولا يستشير صاحبا إلا أن يرجو منه النصيحة . وكان لا يتبرّم [7] ولا يتسخّط ، ولا يتشكَّى ولا يتشهّى ، ولا ينتقم من العدوّ ، ولا يغفل عن الولىّ ، ولا يخصّ نفسه بشئ دون إخوانه من اهتمامه وحيلته وقوته . فعليك بهذه الأخلاق إن أطقتها ، ولن تطيق ، ولكن أخذ القليل خير من ترك الجميع . وعلى ذكر قوله : « وإن قال بزّ القائلين » قال ابن كناسة - واسمه محمد بن عبد اللَّه ، ويكنى أبا يحيى - في إبراهيم بن أدهم [8] الزاهد : < شعر > رأيتك لا ترضى بما دونه الرضا وقد كان يرضى دون ذاك ابن أدهما < / شعر >
[1] عبارة اليتيمة « فلا يقدم إلا على ثقة أو منفعة » [2] بز : غلب ، بالذال والزاي ، ومنه : من عزيز [3] في الأصل « فإذا وجد الجد » وهو تحريف . وعبارة اليتيمة « فإذا جاء الجد » [4] عاديا : منصوب على الحال [5] المراء : الجدال [6] رواية اليتيمة « قاضيا عدلا » [7] يتبرم : يتضجر [8] إبراهيم بن أدهم : شخصية قوية ترى أثرها في كتب الدين والأخلاق . كان يعيش من عرق جبينه . ويشترك مع الغزاة في قتال الروم ، تعفف عن ميراث أبيه واكتفى بحياة التقشف والخشونة ، وكان معروفا بالفصاحة والحرص على صواب القول ؛ فكان إذا حضر مجلس سفيان الثوري وهو يعظ أو جز سفيان في كلامه مخافة أن يزل . وكانت وفاته نحو سنة 161 .