ابتدأته حتى ختمته ، ولا استفتحته حتى أتممته ، ولا لمحته حتى استوفيته ، ولا نشرته حتى طويته ، وأحسبنى لو لم أجوّد ضبطه ، ولم ألزم يدىّ حفظه ، لطار حتى يختلط بالجو ، فلا أرى منه إلا هباء منثورا ، وهواء منشورا . كتاب حسبته يطير من يدي لخفته ، ويلطف عن حسّى لقلته ، وعجبت كيف لم تحمله الرياح قبل وصوله إلىّ ، وكيف لم يختلط بالهواء عند وصوله لدىّ . كتاب قصّ الاقتصار أجنحته ، فلم يدع له قوادم ولا خوافى ، وأخذ الاختصار جثته ، فلم يبق ألفاظا ولا معاني . طلع كتابك كإيماء بطرف ، أو وحى بكفّ . وقال أبو العباس عبد اللَّه بن المعتز : استعرت من علي بن يحيى المنجم جزءا فيه أخبار معبد بخط حماد بن إسحاق الموصلي ، وكان وعدني به ، فبعث إلى بستّ ورقات لطاف ، فرددتها وكتبت إليه : « إن كنت أردت بقولك جزءا الجزء الذي لا يتجزّأ فقد أصبت ، وإن كنت أردت جزءا فيه فائدة للقارئ ، ومتعة للسامع ، فقد أحلت [1] ؛ وقد رددته عليك بعد أن طار اللَّحظ عليه طيرة » . فأجابني : إذا كان السّفر عندك منجاة فما أصنع [2] ؟ [ المحادثة والمجالسة ] وقال أبو العباس : دخل رجل على الحسن بن سهل بعد أن تأخّر عنه أياما ، فقال : ما ينقضى يوم من عمرى لا أراك فيه إلا علمت أنه مبتور القدر ، منحوس الحظَّ ، مغبون الأيام . فقال الحسن : هذا لأنّك توصل إلى بحضورك سرورا لا أجده عند غيرك ،
[1] أحال : تكلم بالمحال [2] المنجاة : ما يتطهر به من ورق أو ماء