بالفكر ، ويكون سليما من التكلَّف ، بعيدا من الصّنعة ، بريئا من التعقيد ، غنيّا عن التأويل . وذكر سهل بن هارون [1] - وقيل ثمامة بن أشرس - جعفر بن يحيى فقال : قد جمع في كلامه وبلاغته الهذّ والتمهل [2] والجزالة والحلاوة ، وكان يفهم إفهاما يغنيه عن الإعادة للكلام . ولو كان يستغنى مستغن عن الإشارة بمنطقة لاستغنى عنها جعفر . كما استغنى عن الإعادة فإنه لا يتحبّس [3] ولا يتوقّف في منطقه ولا يتلجلج ، ولا يتسعّل ، ولا يترقّب لفظا قد استدعاه من بعد ، ولا يتلمس معنى قد عصاه بعد طلبه له . وقيل لبشّار بن برد : بم فقت أهل عمرك ، وسبقت أهل عصرك ، في حسن معاني الشعر ، وتهذيب ألفاظه ؟ فقال : لأنى لم أقبل كلّ ما تورده علىّ قريحتى ، ويناجينى به طبعى ، ويبعثه فكرى ، ونظرت إلى مغارس الفطن ، ومعادن الحقائق ، ولطائف التشبيهات ، فسرت إليها بفهم جيد ، وغريزة قوية ، فأحكمت سبرها ، وانتقيت حرها ، وكشفت عن حقائقها ، واحترزت من متكلَّفها ولا واللَّه ما ملك قيادى قطَّ الإعجاب بشئ مما آتى به . وكان بشار بن برد خطيبا ، شاعرا ، راجزا ، سجّاعا ، صاحب منثور ومزدوج ، ويلقب بالمرعّث لقوله :
[1] كان سهل بن هارون من الخطباء الشعراء الذين جمعوا الشعر والخطب والرسائل الطوال والقصار . وقعت آراؤه في الأدب وتدبير الملك مفرقة في الكتب ، ولم يصل إلينا من مؤلفاته الكثيرة شئ يستحق الذكر . وقد أطلعنى المسيو مارسيه في باريس على مذكرات مهمة قيد فيها ما عثر عليه من آثار ذلك الكاتب البليغ . وكانت وفاة سهل ابن هارون في سنة 173 [2] الهذ : السرعة [3] في الأصل ( يتحسن ) وهو تحريف