يكون اللفظ مساويا للمعنى بحيث لا يزيد عليه ولا ينقص عنه وهذا من البلاغة التي وصف بها بعض الوصاف بعض البلغاء فقال كأن ألفاظه قوالب لمعانيه ومعظم آيات الكتاب العزيز كذلك واعلم أن البلاغة قسمان إيجاز وإطناب والمساواة معتبرة في القسمين معا فأما الإيجاز فكقوله تعالى ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب والإطناب في هذا المعنى كقوله تعالى ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل وقال سبحانه وتعالى في قسم الإيجاز من غير هذا المعنى خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وقال عز من قائل في الإطناب إن الله يأمر بالعدل والإحسان الآية ولا بد من الإتيان بهذا الفصل لئلا يتوهم المتأمل أن الإطناب لا يوصف بالمساواة ومن الشواهد على المساواة قول امرئ القيس فإن تكتموا الداء لا نخفه * وإن تبعثوا الحرب لا نقعد وإن تقتلونا نقتلكم * وإن تقصدوا الذم لا نقصد وقول زهير ومهما تكن عند امرئ من خليقة * وإن خالها تخفى على الناس تعلم وقول طرفة ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا * ويأتيك بالأخبار من لم تزود وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته قوله وقد مدحت بما تم البديع به * مع حسن مفتتح منه ومختتم والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته قوله خطت مساواة معناه وصورته * في الحسن شاهده في نون والقلم وبيت بديعيتي في المساواة قولي تمت مساواة أنواع البديع به * لكن يزيد على ما في بديعهم ( ذكر حسن الختام ) حسن ابتدائي به أرجو التخلص من * نار الجحيم وهذا حسن مختتمي هذا النوع ذكر ابن أبي الأصبع أنه من مستخرجاته وهو موجود في كتب غيره بغير هذا الاسم فإن التيفاشي سماه حسن المقطع وسماه ابن أبي الأصبع حسن الخاتمة وهذا النوع الذي يجب على الناظم والناثر أن يجعلاه خاتمة لكلامهما مع أنهما لا بد أن يحسنا فيه غاية الإحسان فإنه آخر ما يبقى في الأسماع وربما حفظ من دون سائر الكلام في غالب الأحوال فلا يحسن السكوت على غيره وغاية الغايات في ذلك مقاطع الكتاب العزيز في خواتم السور الكريمة فمن المعجز في ذلك قوله تعالى إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره أنظر أيها المتدبر هذه البلاغة المعجزة فإن السورة الكريمة بدئت بأهوال يوم القيامة وختمت بقوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ومثله قوله تعالى في سورة عبس يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة ومن ذلك قوله تعالى وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ومن كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو المقدم في فنون البلاغة على بلغاء البدو والحضر في ختام جواب كتاب كتب به إلى معاوية ثم ذكرت أن ليس لي ولأصحابي عندك إلا السيف فلقد أضحكت بعد استعبار وإني مرقل إليك بجحفل من المهاجرين والأنصار وقد صحبتهم ذرية بدرية وسيوف هاشمية عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدك وما هي من الظالمين ببعيد وأجمعوا بعد