الخوارزمي سمح البديهة ليس يمسك لفظه * فكأنما ألفاظه من ماله فإنه مدحه بذلاقة اللسان على وجه استتبع الكرم وبيت الشيخ صفي الدين في بديعيته على هذا لنوع قوله الباذلو النفس بذل الزاد يوم قرى * والصائنو العرض صون الجار والحرم وبيت العميان تجري دماء الأعادي من سيوفهم * مثل المواهب تجري من كفوفهم وبيت الشيخ عز الدين يستتبعون ببذل العلم بذل ندى * ويحفظون المعالي حفظ عرضهم وبيت بديعيتي يحمون مستتبعين العفو إن ظفروا * ويحفظون وفاهم حفظ دينهم ( ذكر الطاعة والعصيان ) طاعاتهم تقهر العصيان قدرهم * له العلو فجانسه بمدحهم هذا النوع أعني الطاعة والعصيان استنبطه أبو العلاء المعري في شرحه الذي سماه معجز أحمد عند نظره في شعر أبي الطيب وهو قوله يرد يدا عن ثوبها وهو قادر * ويعصي الهوى في طيفها وهو راقد وسماه الطاعة والعصيان وقال إنما أراد أبو الطيب أن يقول يرد يدا عن ثوبها وهو مستيقظ بحيث تطيعه المطابقة في قافية البيت بقوله راقد فلم يطعه الوزن في ذلك ولما عصاه الوزن عدل إلى لفظة قادر وجعلها مكان مستيقظ لما فيها من معنى اليقظة وزيادة فأطاعه التجنيس المقلوب بين قادر وراقد وعصته المطابقة بين راقد ومستيقظ فلم يخل بيته عن معنى بديعي وقيل إن هذا النوع لم يسمع له مثال قبل أبي العلاء ولا بعده في سائر كتب البديع لقلة وقوعه وتعذر اتفاقه وإنما وقع للمتنبي نادرا قلت أنا تابع في هذا النوع مذهب علامة هذا العلم وهو الشيخ زكي الدين ابن أبي الأصبع تغمده الله برحمته ورضوانه فإنه كشف عن وجه الإشكال وأرشد من كان متعلقا بحبال المحال فإن القوم أضربوا عن هذا النوع وهو ظاهر لأن الشيخ زكي الدين قال إضرابهم عن النظر فيه إما لحسن ظنهم بالمعري وموضعه من الأدب واعتقادهم فيه العصمة من الخطأ والسهو وإما أن يكون مر عليهم ما مر عليه في هذا البيت إذ ليس في البيت شيء أطاع الشاعر ولا شيء عصاه ودليل ذلك قول المعري إن المتنبي أراد مستيقظا ليحصل بينها وبين لفظة راقد طباقا فعصته لفظة مستيقظ لامتناعها من الدخول في هذا الوزن وهذا محال لأن المتنبي لو أراد أن يقول يرد يدا عن ثوبها وهو ساهر لحصل له غرضه من الطباق ولم يعصه الوزن وإنما المتنبي قصد أن يكون في بيته طباق وجناس فعدل عن لفظة ساهر إلى قادر لأن القادر ساهر وزيادة وحصل بين راقد وقادر الطباق المعنوي وجناس العكس لأن الطباق أنواع منها المعنوي كما أن الجناس أنواع منها العكس ومذهب المتنبي ترجيح المعاني على الألفاظ ولا سيما وبالعدول عن الطباق اللفظي حصل في البيت الطباق والجناس معا وما كان فيه الطباق والجناس معا أفضل مما ليس فيه سوى الطباق ولو عدل المتنبي إلى ما ذكره المعري لفاته هذا الفضل والله أعلم وقد ثبت من هذا البحث أن بيت المتنبي لا يصلح أن يكون شاهدا على هذا الباب لأنه لم يعصه فيه شيء ولم يطعه غيره وكذلك بيت الشيخ صفي الدين في بديعيته وهو قوله لهم تهلل وجه بالحياء كما * مقصوره مستهل من أكفهم فإنه ذكر في شرحه أنه أراد الجناس بين الحياء والحيا ولما عصاه الوزن وتعذر التجنيس عدل إلى لفظة مقصوره وهي ردف لفظة الحيا فأطاعه الجناس المعنوي بإشارة ردفه إليه آه قلت والذي