وبيت صفي الدين مأخوذ من قول عمرو بن الأهتم أفنى جيوش العدا غزوا فلست ترى * سوى قتيل ومأسور ومنهزم وبيت العميان في بديعيتهم غيثان أما الذي من فيض أنمله * فدائم والذي للمزن لم يدم وبيت الشيخ عز الدين تقسيمه الدهر يوما أمسه كغد * في الحلم والجود والإيفاء للذمم قلت قد تقدم شرح هذا النوع وتقرر أن الاثنين في التقسيم لا يمكن أن يكون لهما ثالث والثلاثة لا يجوز أن يكون لها رابع وقد تقدم في الاثنين قوله تعالى هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وليس في رؤية البرق إلا الخوف من الصواعق والطمع في المطر وتقدم في تقسيم الثلاثة قول النبي ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت ولا رابع لهذه الثلاثة ورأيت باب الزيادة في بيت الشيخ عز الدين مفتوحا فإنه يحتمل الحلم والجود وإيفاء الذمم والشجاعة والصبر والقناعة والدين وهلم جرا وتقدم أن بيت صفي الدين الحلي مأخوذ من بيت عمرو بن الأهتم إشربا ما شربتما فهذيل * من قتيل أو هارب أو أسير فهذه الثلاثة لا تحتمل رابعا وكذلك بيت صفي الدين فإنه مأخوذ من هنا وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي هداه تقسيمه حالي به صلحت * حيا وميتا ومبعوثا مع الأمم وهذه الثلاثة أيضا لا يمكن أن يكون لها رابع وهذا النوع ليس في تحصيله على واضعه مشقة زائدة على حذاق الأدب لا سيما مثل الشيخ عز الدين والذي أقوله إنه لم تضق عليه المسالك إلا بالتزام التورية في تسمية النوع والله أعلم ( ذكر الإيجاز ) أوجز وسل أول الأبيات عن مدح * فيه وسل مكة يا قاصد الحرم هذا النوع أعني الإيجاز اعتنت به فصحاء العرب وبلغاؤها كثيرا فإنهم كانوا إذا قصدوا الإيجاز أتوا بألفاظ استغنوا بواحدها عن ألفاظ كثيرة كأدوات الاستفهام والشروط وغير ذلك فقولك أين زيد مغن عن قولك أزيد في الدار أم في المسجد إلى أن تستقري جميع الأماكن وقولك من يقم أقم معه مغن عن إن يقم زيد أو عمرو أقم معه وما بالدار من أحد مغن عن قولك ليس فيها زيد ولا عمرو فغالب كلام العرب مبني على الإيجاز والاختصار وأداء المقصود من الكلام بأقل عبارة وهذا النوع على ضربين إيجاز قصر وإيجاز حذف فإيجاز القصر اختصار الألفاظ وهو كقوله تعالى ولكم في القصاص حياة فهذا اللفظ الوجيز المعجز المختصر غاية في الإيجاز والإيضاح والإشارة والكناية والطباق وحسن البيان والإبداع ومنه قوله تعالى إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وعظ في ذلك بألطف موعظة وذكر بألطف تذكرة واستوعب جميع أقسام المعروف والمنكر وأتى بالطباق اللفظي والمعنوي وحسن النسق والتسهيم وحسن البيان والإيجاز وائتلاف اللفظ ومعناه والمساواة وصحة المقابلة وتمكين الفاصلة ومن ذلك قول الشاعر يا أيها المتحلي دون شيمته * إن التخلق يأتي دونه الخلق وإيجاز الحذف عبارة عن حذف بعض لفظه لدلالة الباقي عليه كقوله تعالى وسئل القرية التي كنا فيها وكقول الشاعر ورأيت زوجك في الوغى * متقلدا سيفا ورمحا أي ومعتقلا رمحا ومثله قول الشاعر علفتها تبنا وماء باردا أي وسقتها ماء باردا وبيت الشيخ صفي الدين في بديعيته على الإيجاز واستخدم الموت ينهاه ويأمره * بعزم مغتنم في زي مغترم تقديره بعزم رجل مغتنم ومثله في زي مغترم ولكنه ما تحته في بلاغة الإيجاز كبير أمر والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم وقول الشيخ عز الدين وسل زمانك تلف الكتب راوية * إيجاز معنى طويل الذكر مرتسم الشيخ عز الدين إيجازه وسل زمانك أي أهل زمانك وأما بقية البيت فلا أفهم له معنى فإن البيت الذي قبله متعلق بمدح النبي ماش في أثر الأبيات التي قبله وأما رواية الكتب لإيجاز هذا المعنى الطويل المرتسم فإنه نوع من المعميات والله علم وأما بيت بديعيتي فهو قولي عن النبي أوجز وسل أول الأبيات عن مدح * فيه وسل مكة يا قاصد الحرم الضمير في لفظة فيه عائد إلى النبي والإيجاز البديع البليغ الغريب في قولي وسل أول الأبيات فإنه إشارة إلى أول بيت وضع للناس والإيجاز الثاني في قولي وسل مكة أي