هي أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة ولكن يجيء إلى معنى هو ردفه في الوجود فيومئ إليه ويجعله دليلا عليه مثال ذلك قولهم طويل النجاد كثير الرماد يعنون بذلك أنه طويل القامة كثير القرى فلم يذكروا المراد بذكره الخاص به ولكن توصلوا إليه بمعنى آخر هو رديفه في الوجود ألا ترى أن القامة إذا طالت طال النجاد وإذا كثر القرى كثر الرماد ومن أحسن الأمثلة على هذا النوع قول الشاعر بعيدة مهوى القرط أما لنوفل * أبوها وأما عبد شمس وهاشم أراد أن يذكر طول جيدها فأتى بتابعه وهو بعد مهوى القرط ومثله قول ليلى الأخيلية ومخرق عنه القميص تخاله * وسط البيوت من الحياء سقيما كنت عن الإفراط في الجود بخرق القميص لجذب العفاة له عند ازدحامهم عليه لأخذ العطاء والأبلغ في هذا الباب والأبدع أن يكني المتكلم عن اللفظ القبيح باللفظ الحسن والمعجز في ذلك قوله تعالى كانا يأكلان الطعام كناية عن الحدث وقوله جل جلاله وقد أفضى بعضكم إلى بعض يريد بذلك ما يكون بين الزوجين وعلى الجملة لا تجد معنى من هذه المعاني في الكتاب العزيز إلا بلفظ الكناية لأن المعنى الفاحش متى عبر المتكلم عنه بلفظه الموضوع له كان الكلام معيبا من جهة فحش المعنى ولهذا عاب قدامة على امرئ القيس قوله فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع * فألهيتها عن ذي تمائم محول إذا ما بكى من تحتها انصرفت له * بشق وتحتي شقها لم يحول قال أعني قدامة عيب هذا الشعر من جهة فحش المعنى والقران منزه عن ذلك ولو استعار امرؤ القيس لمعناه الفاحش لفظ الكناية لسلم من العيب وهذا القدر ينتقد على مثله وفي السنة النبوية من الكنايات ما لا يحصى كقوله لا يضع العصا عن عاتقه كناية عن الضرب أو كثرة السفر وحكى ابن المعتز أن العرب كانت تقول لمن به أبنه أنت تحت العصا وأنشد زوجك زوج صالح * لكنه تحت العصا ومن نخوة العرب وغيرتهم كانت كنايتهم عن حرائر النساء بالبيض وقد جاء القران العزيز بذلك فقال سبحانه كأنهن بيض مكنون وقال امرؤ القيس في معلقته وبيضة خدر لا يرام خباؤها * تمتعت من لهواتها غير معجل أي بيضة خدر يعني امرأة كالبيضة في صيانتها لا يرام خباؤها لعزتها ومن لطائف الكنايات قول بعض العرب ألا يا نخلة من ذات عرق * عليك ورحمة الله السلام سألت الناس عنك فخبروني * هناة ذاك تكرهه الكرام وليس بما أحل الله بأس * إذا هو لم يخالطه الحرام فإن هذا الشاعر كنى بالنخلة عن المرأة وبالهناة عن الرفث فإن العرب كانت تكني بها عن مثل ذلك وأما الكناية بالنخلة عن المرأة فمن ألطف الكنايات وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته عن الكناية قوله كل طويل نجاد السيف يطربه * وقع الصوارم كالأوتار والنغم والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم وبيت الشيخ عز الدين الموصلي داع كثير رماد القدر إن وصفت * كناية بطنها والظهر بالدسم قول الشيخ عز الدين كثير رماد القدر معلوم أنه أراد بذلك الكرم وأما تتمة البيت فالدسم الظاهر من القدر في ظاهرها تعافه النفس ولفظة الدسم سافلة بعيدة عن حشمة الألفاظ وبيت بديعيتي