اليد فإن المشير بيده يشير دفعة واحدة إلى أشياء لو عبر عنها بلفظ لاحتاج إلى ألفاظ كثيرة ولا بد في الإشارة من اعتبار صحة الدلالة وحسن البيان مع الاختصار لأن المشير بيده إن لم يفهم المشار إليه معناه فإشارته معدودة من العبث وكان النبي سهل الإشارة كما كان سهل العبارة وهذا ضرب من البلاغة يمتدح به والإشارة قسمان قسم للسان وقسم لليد ومن شواهد الإشارة في الكتاب العزيز قوله وغيض الماء فإنه سبحانه أشار بهاتين اللفظتين إلى انقطاع مادة الماء من نبع الأرض ومطر السماء وذهاب الماء الذي كان حاصلا على وجه الأرض قبل الإخبار ولو لم يكن كذلك لما غاض الماء ومنه قوله تعالى وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين فالمح أيها المتأمل كل ما تميل النفوس إليه من اختلاف الشهوات وملاذ الأعين في اختلاف المرئيات لتعلم أن بلاغة هذا اللفظ القليل جدا عبرت عن المعاني التي لا تنحصر عدا ومنه قوله تعالى * فأوحى إلى عبده ما أوحى ومن المنظوم قول زهير في هذا النوع فإني لو لقيتك فاتجهنا * لكان لكل منكرة لقاء يعني قابلت كل منكرة بمثلها ومن أمثلة هذا النوع قول امرئ القيس بعزهم عززت فإن يذلوا * فذلهم أنالك ما أنالا فانظركم تحت قوله أنالك ما أنالا من أنواع الذل ومثله قوله فلأشكرن غريب نعمته * حتى أموت وفضله الفضل أنت الشجاع إذا هم نزلوا * عند المضيق وفعلك الفعل فالحظ كم تحت قوله وفضله الفضل بعد إخباره بأنه يشكر غريب نعمته حتى يموت من أصناف المدح وترجيح فضله على الشكر وفي قوله غريب نعمته غاية المدح إذ جعل نعمته غريبة لم يقع مثلها في الوجود وكم تحت قوله وفعلك الفعل بعد إخباره بمنزل القوم عند المضيق الدال على صبرهم وشجاعتهم وما في ذلك من ترجيح شجاعته عليهم ومنه قوله في صفة الفرس على هيكل يعطيك قبل سؤاله * أفانين جري غير كز ولا وإني فإنه أشار بقوله أفانين إلى جمع صنوف عدو الخيل المحمودة والذي يدل على ذلك قوله قبل سؤاله فإن الأفانين المحمودة كانت منه عفوا من غير طلب ولا حث وهذا كمال الوصف ولو عدت هذه المعاني بألفاظها الموضوعة لها لاحتاجت في العبارة إلى ألفاظ كثيرة وبيت الشيخ صفي الدين في بديعيته يولي الموالين من جدوى شفاعته * ملكا كبيرا عدا ما في نفوسهم والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته ما تشتهي النفس يهدى في إشارته * يعطي فنونا بلا من ولا سأم وبيت بديعيتي ومن إشارته في الحرب كم فهم * الأنصار معنى به فازوا بنصرهم ( ذكر التوليد ) توليد نصرتهم يبدو بطلعته * ما السبعة الشهب ما توليد رملهم قلت هذا النوع أعني التوليد ليس تحته كبير أمر وهو على ضربين من الألفاظ والمعاني فالذي من الألفاظ تركه أولى من استعماله لأنه سرقة ظاهرة وما ذاك إلا أن الناظم يستعذب لفظة من شعر غيره فيقتضبها ويضمنها غير معناها الأول في شعره كقول امرئ القيس في وصف الفرس وقد أغتدي والطير في وكناتها * بمنجرد قيد الأوابد هيكل فاستعذب أبو تمام قيد الأوابد فنقلها إلى الغزل فقال لها منظر قيد الأوابد لم يزل * يروح ويغدو في خفارته الحب والتوليد من المعاني هو الأجمل والأستر وهو الغرض ههنا وذلك أن الشاعر ينظر إلى معنى من معاني