نام کتاب : إنباه الرواة على أنباه النحاة نویسنده : علي بن يوسف القفطي جلد : 1 صفحه : 13
فكانت بعيدة عن الفتن التي شجرت بين خلفاء صلاح الدين ، والحال فيها خير من الحال في مصر والعراق وبقية بلاد الشام ؛ فازدهرت فيها الآداب ، وأينعت العلوم ، ورحل إليها العلماء ؛ ممّا طابت له نفس القفطيّ ، ووافق هواه ، ووجد المكان الذي يطمئن له العيش فيه . وفي صدر أيامه بحلب كان مصاحبا لميمون القصريّ صديق أبيه ، ورفيقه في الرحلة إلى حلب ، وأحد الولاة الذين صار لهم نصيب من السلطان . فلازمه على سبيل الصداقة والمودّة ، لا على سبيل العمل والخدمة . وفى هذه المدّة اجتمع بجماعة من العلماء المقيمين بحلب والواردين عليها ، واستفاد بمحاضرتهم ، وفقه بمناظرتهم . ثم جدّ في شراء الكتب وسعى في اقتنائها وجلبها ، واستطارت شهرته بذلك في الآفاق ، وتوافد عليه الورّاقون والناسخون وباعة الكتب ، كما توافد عليه العلماء والشعراء وذوو الفضل . وكان ممّن وفد إليه في ذلك الحين ياقوت ابن عبد اللَّه الحمويّ صاحب معجم الأدباء . فآواه إلى ظله ، وأنزله في داره ، وأفرد له مكانا من مجلسه . وعرف فيه ياقوت الفضل والعلم ؛ فأذاع بفضله في كل محفل ، وروى عنه فيما صنف من الكتب ، وأهدى إلى خزانته كتابه معجم البلدان . وبينما كان القفطيّ مطمئنا إلى هذه الحياة الهادئة الخصيبة ، يجالس العلماء ، ويأخذ عنهم ويأخذون عنه ، ويقتني الكتب ويقرؤها ويستوعب ما فيها ، ويحصّل العلوم ويؤلف في شتى نواحيها ؛ وإذا بميمون القصريّ يموت وزيره فيلزمه أن يحل مكانه ؛ فيقبل على كره ، وفى ذلك يقول ياقوت [1] : « ألزمه ميمون القصريّ خدمته ، والاتّسام بكتابته ، ففعل ذلك على مضض واستحياء ، ودبّر أموره أحسن تدبير ، وساس جنده أحسن سياسة ، وفرغ بال