يتكلَّف إثباته بالإيمان . وعلى هذا يكون قوله : وإنّه لقسم يراد به أنّ الحلف بمواقع النّجوم عظيم ممّن أقسم بها ، وقوله : * ( لَوْ تَعْلَمُونَ ) * بعث على الفكر في المحلوف فيه وبما يتضمّنه مما يعظم موقعه في الصّدور عند تأمّل الأحوال المبهجة للاستدلال ؛ وقيل : أراد بالنّجوم الأنواء وما يتعلق بها من حاجات النّفوس ومن المآرب والهموم على اختلاف المعتقدات فيها . وقيل : بل المراد بها فرق القرآن لأنّ اللَّه تعالى أنزله نجوما لما عرفه من مصالح المكلَّفين والمدعوّين إلى الدّين ، ويكون الشّاهد لهذا الوجه قوله : * ( إِنَّه لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) * [ سورة الواقعة ، الآية : 77 ] ، ويكون الطَّريق فيمن جعلها الأنواء التّنبيه على وجوه النّعم في الأنداء والغيوث ، وما به قوام الخلق في متصرفاته . قوله تعالى : * ( إِنَّه لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) * جواب اليمين عند من أثبته يمينا و * ( فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ ) * [ سورة الواقعة ، الآية : 78 ] يجوز أن يريد به اللَّوح المحفوظ لأنه أودع التّنزيل اللَّوح ، ثم فرّق منه نجوما ويشهد لهذا قوله تعالى : * ( وإِنَّه فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا ) * [ سورة الزخرف ، الآية : 4 ] وذكر الأم كما قيل في المجرّة أم النّجوم ، وكما قيل مكة أمّ القرى ، ومعنى كريم أنّه خلص من جميع الأدناس ، وطهرّ من الشّوائب ، يشهد لهذا قوله تعالى في صفة المؤمنين : * ( وإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ) * [ سورة الفرقان ، الآية : 72 ] . و هذا كما يقال : في صفة الشيء العظيم الخطير هو مكرم علي أي يجلّ موقعه ، والمراد بقوله تعالى : * ( لا يَمَسُّه إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) * [ سورة الواقعة ، الآية : 79 ] الملائكة إذا جعلت الكتاب اللَّوح المحفوظ ، والمعنى لا يصل إليه ولا يقرّبه غيرهم وذلك على حسب ما يصرفون فيه عند تنزيله ، وإن جعلت الكتاب المكنون ما حكم اللَّه به من قضاياه وتعبّد به عباده من أصناف العبادات ، وشاهد هذا قوله تعالى : * ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَه لَحافِظُونَ ) * [ سورة الحجر ، الآية : 9 ] وإنّ حفظ الشيء وصيانته وكنه واحد ، والشّاهد في أنّ الكتاب المكنون هو الحكم المفروض . قوله تعالى : * ( ولَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) * [ سورة النساء ، الآية : 66 ] ، وقوله تعالى : * ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) * [ سورة البقرة ، الآية : 183 ] ، فحينئذ يكون معنى لا يمسّه لا يطلبه كما قال : < شعر > مسسنا من الإباء شيئا وكلَّنا * إلى حسب في قومه غير واضح < / شعر > وقد حكي أنّ اللمس والالتماس والمس متفقات ، والحجة في أنّ اللمس مثل الإلتماس قوله تعالى : * ( وأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ ) * [ سورة الجن ، الآية : 8 ] . وقول الشاعر : < شعر > ألام على تبكَّيه * وألمسه فلا أجده < / شعر > فقوله : لا أجده يشهد بأنّ المراد بالمس الطلَّب لا غير ، وقد أحكمت القول في هذا : في ( شرح الحماسة ) ، وقال بعض النّظار : قوله تعالى : * ( لا يَمَسُّه إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) * [ سورة الواقعة ، الآية : 79 ] ، لفظه لفظ الخبر ، والمراد به النهي ، والمعنى لا يتناولن المصاحف إلَّا