المطهّرون ، فليس يجوز للجنب والحائض مسّ المصاحف ، تعظيما لها وإجلالا . قوله تعالى : * ( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) * [ سورة الواقعة ، الآية : 80 ] تصديق للنبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم في جميع ما دعا إليه من الإيمان باللَّه تعالى أو في إبطاله دعاويهم وشهاداتهم في القرآن وسائر العبادات ، وارتفع * ( تَنْزِيلٌ ) * على أنّه صفة لقوله : * ( لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) * ، أو على أنّه خبر مبتدأ محذوف . و منه قوله تعالى : * ( قُلْ لَوْ كانَ مَعَه آلِهَةٌ ) * [ سورة الإسراء ، الآية : 42 ] ، كما يقولون إلى * ( حَلِيماً غَفُوراً ) * ذكر اللَّه تعالى فيما وعظ من قبل قوله : * ( ولا تَجْعَلْ مَعَ الله إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ ) * [ سورة الإسراء ، الآية : 39 ] ثم أتبعه بقوله تعالى : * ( ولَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا ) * [ سورة الإسراء ، الآية : 41 ] ، والإنذار بالتّبكيت الشّديد والوعيد الممض إلزاما للحجّة ، وإظهارا للعناد منهم ، وأنه هداهم فلم يهتدوا ، وذكَّرهم فلم يعبأوا إعجابا برأيهم ، وذهابا عند التّدبّر ، والنّظر ليومهم وغدهم ودنياهم وآخرتهم ، ثم أخذ عزّ وجلّ يحاجهم على لسان نبيّهم فقال : قل لهؤلاء الذين ضلَّوا عن الرّشاد ، وعموا عن الصّواب ، إنّ اللَّه تعالى لو شركه في ملكه غيره كما تدّعون لفسدت الأحوال ، وتقطَّعت الوصل والأسباب . ولعلا بعضهم على بعض وكان يطلب كلّ الاقتسار ، وتسليم الأمر له ، كما قال هو : * ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا ) * [ سورة الأنبياء ، الآية : 22 ] . وكان لا ينفع الاستثناء فيما بينهم وترك الخلاف وإظهار الرّضاء ، لأنّ الاستبداد ، أو طلبه وإن لم يظهر فعلا من واحد منهم فلا مهرب من تجويزه عليهم ؛ وجوازه لن يحصل إلَّا عن تقدير استضعاف ، ومن قدر فيه ضعف فإنه لا يكون إلها وهذا بيّن . قوله تعالى : * ( إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ) * [ سورة الإسراء ، الآية : 42 ] ، أي لطلبوا إلى أخصّهم بالملك ، وأولاهم بالأمر منازعته ومجاذبته ومساواته ومسامته ؛ قوله : * ( ذِي الْعَرْشِ ) * يجوز أن يريد به ذا السلطان والعزّ ، ويجوز أن يريد به ذا السّرير الذي حمله في السّماء والملائكة يطوفون حوله . كما أنّ البيت المعمور في السّماء الرابعة . وقال بعضهم : أي العرش ، وأنشد قول الشّماخ : ( فأدمج دمج ذي شطن بعيد ) . قال : يريد أدمج شطن ، فزاد ذي ، فكذلك قوله : إلى ذي العرش ، يريد إلى العرش ، والمعنى لطلبوا إلى الاستيلاء على العرش ، والاستواء عليه طريقا ، قال ومثله لفظ حي أنشد أبو زيد : < شعر > يا قرّ إنّ أباك حيّ خويلد * قد كنت خائفه على الأحماق < / شعر > يريد أنّ أباك خويلد ، فزاد قوله : حي ، وقوله تعالى : * ( عَمَّا يَقُولُونَ ) * الظَّالمون بمعنى علا ، والمعنى جلّ ، وارتفع عما يقول المشركون أكده بقوله : * ( عُلُوًّا ) * ، ووصف العلو بالكبر مبالغة في التّبعيد . قوله تعالى : * ( وإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه ) * [ سورة الإسراء ، الآية : 44 ] . يريد ما من شيء إلَّا وبما فيه من أثر الصّنعة يدلّ على قدرة اللَّه تعالى ويشهد .