نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 295
غيرهم إلى إفساد حريمه والنيل منهم فبينما هم على تلك الحال وإذا بالنفير قد صاح فيهم كلهم فلم يمكن أحد منهم التخلف فحملوا على تلك الحال وأحضروا بين يدي الملك فاستعرضهم واحدا واحدا وعرضت بضائعهم وما قدموا به من تلك المدينة عليه فقبل منها ما يصلح له وأعاض أربابه أضعاف أضعاف قيمته وأنزلهم منازلهم من قربه ورد منها مالاً يصلح له وضرب به وجوه أصحابه وقابل من نقب حماه وأفسد حريمه بما يقابل به المفسدون فسألوا الرجعة إلى المدينة ليعمروا قصره ويحفظوا حريمه ويقدموا عليه من البضائع بمثل ما قدم به التجار فقال : هيهات قد خربت المدينة خرابا لا تعمر بعده أبدا وليس بعدها إلا المدينة التي لا تخرب أبدا . [ فصل ] وقد مثلت الدنيا بمنام والعيش فيها بالحلم والموت باليقظة ومثلت بمزرعة والعمل فيها بالبذر والحصاد يوم المعاد ومثلت بدار لها بابان : باب يدخل منه الناس وباب يخرجون منه ومثلت بحية ناعمة الملمس حسنة اللون وضربتها الموت ومثلت بطعام مسموم لذيذ الطعم طيب الرائحة من تناول منه بقدر حاجته كان فيه شفاؤه ومن زاد على حاجته كان فيه حتفه ومثلت بالطعام في المعدة إذا أخذت الأعضاء منه حاجتها فحبسه قاتل أو مؤذ ولا راحة لصاحبه إلا في خروجه كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في آكلة الخضر وقد تقدم ومثلت بامرأة من أقبح النساء قد انتقبت على عينين فتنت بهما الناس وهي تدعو الناس إلى منزلها فإذا أجابوها كشفت لهم عن منظرها وذبحتهم بسكاكينها وألقتهم في الحفر وقد سلطت على عشاقها تفعل بهم ذلك قديما وحديثاً والعجب أن عشاقها يرون اخوانهم صرعى قد حلت بهم الآفات وهم ينافسون في مصارعهم ( وسكَنتُم في مَساكِنِ الَّذينَ ظَلَموا أَنفُسَهُم وتَبَيَّنَ لَكُم كَيفَ فَعلنا بهم وَضَرَبنا لَكُم الأَمثَال ) ( إبراهيم : 45 ) ويكفي في تمثيلها ما مثلها الله سبحانه في كتابه فهو المثل المنطبق عليها .
295
نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 295