نام کتاب : شفاء السقام نویسنده : السبكي جلد : 1 صفحه : 220
قلت : سنبين في آخر الكلام أن كون الفعل قربة ، أعم من كونه مأمورا به . ونبدأ أولا بالكلام على كون هذا السفر مأمورا به أمر ندب : فنقول : ما لا يتم المأمور به إلا به ينقسم إلى شرط في وجوده ، وإلى ما هو تابع يشترط للعلم بوجوده ، كغسل جزء من الرأس للعلم بغسل الوجه ، والخلاف في القسم الثاني قوي ، وليس مما نحن فيه . وأما القسم الأول - وهو ما كان شرطا أو سببا لوجود المأمور به ، كالذي نحن فيه ، ونعبر عنه ب ( المقدمة ) - فالجمهور على أنه مأمور به واجب ، لوجوب المقصد ، وخالف في ذلك فريقان من الأصوليين : فرقة خالفوا في الشرط ، ولم يخالفوا في السبب . وفرقة خالفوا في الشرط والسبب جميعا ، وربما نقل الخلاف في ذلك عن الواقفية ، وأنهم لم يجزموا في ذلك بشئ ، بل توقفوا على عادتهم ، وربما نقل الجزم بعدم الوجوب . وكلا القولين : إن أخذ بالنسبة إلى دلالة اللفظ ، وأن دلالة لفظ الأمر بالمقصود قاصرة عن دلالته على الأمر بالمقدمة ، فيسهل الأمر فيه ، ولا يمنع عدم دلالة غيره ، ولا ينفي ذلك كون مقدمة المأمور به مأمورا بها لدليل عقلي . وإن أخذ بالنسبة إلى أنه إذا ترك يعاقب على ترك المقصد خاصة ، ولا يعاقب على ترك المقدمة ، فقريب أيضا ، ولكنه إنما ينفى [1] الوجوب لا الندب ، وكلامنا في الندب . وإن أخذ بالنسبة إلى أن المشروط الذي ورد الأمر به مطلقا ، لا يجب إلا عند وجود شرطه ، كما صرح به بعض متأخري الأصوليين ، فهذا قول باطل لم يتحقق القول به عن أحد من الأئمة المعتمد على كلامهم ، وقواعد الشريعة تقطع ببطلانه ، ولا شك أن الأئمة المعتبرين الذين هم أئمة الفتيا على خلافه .