لقبره المشروعة بالإجماع ؛ فالمعنى المجمَع عليه حق ، ولكن تسمية ذلك زيارة لقبره هو محل النزاع . وكذلك تنازعوا : هل يستقبل الحجرة أو يستقبل القبلة ؟ كما ذُكر في موضعه ؛ فإنَّا مأمورون بالصَّلاة والسَّلام عليه وسؤال الوسيلة له في كل مكان ، وذلك يحصل به أعظم من مقصود الزيارة لقبره لو كانت ممكنة مع أنها مظنة اتِّخاذ قبره مسجداً وعيداً ، ولما كانت مظنَّة اتِّخاذ قبره عيداً ومسجداً ؛ حُجِب قبرُه عن النَّاس ، ومُنعوا من هذه الزيارة ، فما بقي يمكن أن يتخذ قبره لا مسجداً ولا وثناً ولا عيداً ، فلما كان الخير الَّذي يقصد بزيارة القبور والمصلحة يحصل بالصَّلاة والسَّلام عليه وطلب الوسيلة له في أي مكان أفضل مما يحصل عند القبور ؛ لم يكن في الزيارة فائدة تُخَصُّ بها ، وفيها مفسدة ، وهو كونها ذريعة إلى الشِّرك ، فلهذا فُرِّق بينه وبين غيره ، كما نُهي عن اتِّخاذ القبور مساجد وعن اتِّخاذ قبره عيداً ، مع أن المساجد يعبد الله فيها ، لكن إذا كانت على القبور كانت مظنَّة الشِّرك . والصَّلاة والسلام عليه عند قبره حسن ، لكن لو تمكَّن النَّاس من ذلك اتَّخذوه عيداً ، وصاروا ينتابونه بجماعتهم في أوقات كالأعياد ، وأفضى ذلك إلى الشِّرك ؛ فلهذا نُهي عنه ، ولما نُهي عنه منع أصحابه الناس من ذلك ، فما بقي أحد يمكنه أن يزور قبره كما تُزار سائر القبور ، وإنما يمكن دخول مسجده ، وهذا هو الذي يعنيه النَّاس بزيارة قبره ، وهي تسمية غير مطابقة ، وهذا من أحسن ما يُعلَّل به كراهة من كره أن يقال : زرت قبره ؛ فإن الزيارة المعروفة للقبور هي في قبره مما ليس بمقدور ولا مأمور ، بل قد فرَّق الله بين قبره وبين سائر القبور من جهة المأمور به ومن جهة المنهي عنه ، فقبره عنده مسجده المؤسس على التَّقوى ، الَّذي شرع للنَّاس السَّفر إليه ، وغيره ليس عند قبره مسجد يسافر إليه ، بل قد يكون عنده مسجد يُنهى عنه ، وأمَّا النهي ؛