فيقال له : فهذا معنى قولنا : إن الواجب استقبال الجهة ، وهو العفو عن وجوب تحري مثل هذا التقوس والانحناء ، فصار النزاع لفظياً لا حقيقة له ؛ فالمقصود أن من صلى إلى جهتها فهو مصلٍّ إلى عينها وإن كان ليس عليه أن يتحرى مثل هذا ، ولا يقال لمن صلى كذلك أنه مخطىء في الباطن معفوٌّ عنه ؛ بل هذا مستقبل القبلة باطناً وظاهراً ، وهذا هو الذي أمر به ، ولهذا لما بنى أصحاب رسول الله ( ص ) مساجد الأمصار كان في بعضها ما لو خرج منه خط مستقيم إلى الكعبة لكان منحرفاً وكانت صلاة المسلمين فيه جائزة باتفاق المسلمين . وبهذا يظهر حقيقة قول من قال : إن من قرب منها أو من مسجد النبي ( ص ) لا تكون إلا على خط مستقيم ؛ لأنه لا يقر على خطأ . فيقال : هؤلاء اعتقدوا أن مثل هذه القبلة تكون خطأ ، وإنما تكون خطأ لو كان الفرض أن يتحرى استقبال خط مستقيم بين وسط أنفه وبينها ، وليس الأمر كذلك ، بل قد تقدم نصوص الكتاب والسنة بخلاف ذلك . ونظير هذا قول بعضهم إذا وقف الناس يوم العاشر خطأً أجزأهم ؛ فالصواب أن ذلك هو يوم عرفة باطناً وظاهراً ، ولا خطأ في ذلك ؛ بل يوم عرفة هو اليوم الذي يعرف فيه الناس ، والهلال إنما يكون هلالاً إذا استهله الناس ، وإذا طلع ولم يستهلوه ؛ فليس بهلال ، مع أن النزاع في الهلال مشهور هل هو اسم لما يطلع وإن لم يستهل به ، أو لما يستهل به ؟ وفيه قولان معروفان في مذهب أحمد وغيره ، بخلاف النزاع في استقبال الكعبة . ويدل على ذلك أنه لو قيل بأن على الإنسان أن يتحرى أن يكون بين وسط أنفه وجبهته وبينها خط مستقيم ؛ قيل : فلا بد من طريق يعلم بها ذلك ؛ فإن الله لم يوجب شيئاً إلا وقد نصب على العلم به دليلاً ، ومعلوم أن طريق العلم بذلك لا يعرفه إلا خاصة الناس مع اختلافهم فيه ، ومع كثرة الخطأ في