فما عُلم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع ؛ فإن ذلك ينفع ولا يضر ، وسواء كان في نفس الأمر حقاً أو باطلاً ، فما عُلم أنه باطل موضوع لم يجز الالتفات إليه ؛ فإن الكذب لا يفيد شيئاً ، وإذا ثبت أنه صحيح أُثبتت به الأحكام ، وإذا احتمل الأمرين روي لإمكان صدقه ولعدم المضرة في كذبه ، وأحمد إنما قال : إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد ، ومعناه أنا نروي في ذلك بالأسانيد وإن لم يكن محدثوها من الثقات الذين يحتج بهم ، وكذلك قول من قال : يعمل بها في فضائل الأعمال ، إنما العمل بها العمل بما فيها من الأعمال الصالحة مثل التلاوة والذكر والاجتناب لما كُره فيها من الأعمال السيئة . ونظير هذا قول النبي ( ص ) في الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله ابن عمرو : « بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمداً ؛ فليتبوأ مقعده من النار » [1] مع قوله ( ص ) في الحديث الصحيح : « إذا حدثكم أهل الكتاب ؛ فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم » [2] ؛ فإنه رخص في الحديث عنهم ، ومع هذا نهى عن تصديقهم وتكذيبهم ، فلو لم يكن في التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخص فيه وأمر به ، ولو جاز تصديقهم بمجرد الإخبار لما نهى عن تصديقهم ؛ فالنفوس تنتفع بما تظن صدقه في مواضع . فإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديراً وتحديداً مثل صلاة في وقت معين بقراءة معينة أو على صفة معينة ؛ لم يجز ذلك لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي ، بخلاف ما لو روي فيه من دخل السوق فقال : لا إله إلا الله كان له كذا وكذا ؛ فإن ذكر الله في السوق مستحب لما فيه من ذكر الله بين الغافلين . . .
[1] رواه البخاري في ( أحاديث الأنبياء ، باب ما ذُكر عن بني إسرائيل ، 3461 ) . [2] رواه البخاري في ( الشهادات ، باب لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة معلقاً ، وفي تفسير القرآن ، باب { قُولُوا آمَنَّا باللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا } ، 4485 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .