والمقصود هنا الفرق بين ما لا يتم الواجب إلا به وما لا يتم الوجوب إلا به ، وأن الكلام في القسم الثاني إنما هو فيما لا يتم الواجب إلا به ؛ كقطع المسافة في الجمعة والحج ونحو ذلك ؛ فعلى المكلف فعله باتفاق المسلمين ، لكن من ترك الحج وهو بعيد الدار عن مكة ، أو ترك الجمعة وهو بعيد الدار عن الجامع ؛ فقد ترك أكثر مما ترك قريب الدار ، ومع هذا ؛ فلا يقال : إن عقوبة هذا أعظم من عقوبة قريب الدار . والواجب ما يكون تركه سبباً للذم والعقاب ، فلو كان هذا الذي لزمه فعله بطريق التبع مقصوداً بالوجوب ؛ لكان الذم والعقاب لتاركه أعظم ، فيكون من ترك الحج من أهل الهند والأندلس أعظم عقاباً ممن تركه من أهل مكة والطائف ، ومن ترك الجمعة من أقصى المدينة أعظم عقاباً ممن تركها من جيران المسجد الجامع ، فلما كان من المعلوم أن ثواب البعيد أعظم وعقابه إذا ترك ليس أعظم من عقاب القريب ؛ نشأت من ها هنا الشبهة : هل هو واجب أو ليس بواجب ؟ والتحقيق أن وجوبه بطريق اللزوم العقلي لا بطريق قصد الأمر ؛ بل الأمر بالفعل قد لا يقصد طلب لوازمه وإن كان عالماً بأنه لا بد من وجودها ، وإن كان ممن تجوز عليه الغفلة ؛ فقد لا تخطر بقلبه اللوازم ) [1] * * *