نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 84
وفي عصر الشريف نبغ في العراق شاعران ما جنان هما ابن سكَّرة وابن حجاج ، وكان لهذين الشاعرين في زمانهما مكان مرموق ، فكان يقال في بغداد ( إن زمانا جاد بابن سكرة وابن حجاج لسخيّ جدا [1] وكانت أشعار هذين الماجنين تباع في الأسواق بأثمان غالية ، وكان الناس يتشوفون إلى أشعارهما تشوف الصائمين إلى طلعة شوال ، وما ظنكم بديوان شعر يباع بخمسين دينارا في أزمان قضت عليها الفتن والثورات بضيق العيش واختلال الأحوال وقد طغى هذان الشاعران في زمانهما أبشع الطغيان ، بفضل ما خلبا به الناس من أشعار الهزل والمجون ، وبفضل ما رزقا من قوة الافتنان مع خفة الروح . أما ابن سكرة فكان يبدع في وصف مجالس اللهو والأنس كأن يقول : ويوم لا يقاس إليه يوم * يلوح ضياؤه من غير نار أقمنا فيه للذات سوقا [2] * نبيع العقل فيها بالعقار وقد اتفق له أن يعشق قينة سوداء اسمها « خمرة » فقال فيها أكثر من عشرة آلاف بيت ، وكانت هذه الحكاية مدار السّمر في أندية بغداد ، وأثّرت في الشريف الرضي نفسه فأنشأ القصائد الطوال في التشبيب بالسود الملاح [3] . وأما ابن حجاج فقد تفرد بفن من السخف لم يسبقه إليه سابق [4] ، وكان السخف في ذلك الزمن شيئا يطلبه أحرار الرجال ليتلهوا عما يحيط
[1] انظر اليتيمة . [2] في اليتيمة ( شوقا ) بالشين وهو تحريف . [3] سنرى شواهد ذلك في الجزء الثاني من هذا الكتاب . [4] تجارب الأمم ج 3 ص 403 .
84
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 84