نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 184
ثم يقول : لا بدّ أن أركبها صعبة * وقاحة تحت غلام وقاح يجهدها أو ينثني بالردى * دون الذي قدّر أو بالنجاح والغلام في هذا الشعر هو الفتى ، والشاعر لا يرى لنفسه غير غايتين : النصر أو الموت ، وهو معنى سيكرره في آخر القصيدة إذ يقول : إما فتى نال العلا فاشتفى * أو بطل ذاق الردى فاستراح وهو بهذا سبق الفرنسيين إلى هذه الحكمة العالية ، سبقهم بمئات السنين إلى الحكمة المسطورة على محراب البانتيون في باريس : ولم يكن الشريف أول من قال هذا المعنى بين شعراء العرب ، ولكنه أورده موردا قويا جدا بحيث لا يكون من المغالاة أن نعده من معانيه المبتكرات : ثم يقول : الراح والراحة ذل الفتى * والعزّ في شرب ضريب اللقاح في حيث لا حكم لغير القنا * ولا مطاع غير داعي الكفاح فنفهم عن طريقه أعظم معضلة في تربية الأبدان والنفوس ، وهل نسيتم أن الخلفاء كانوا يرسلون أبناءهم ليتربوا في البادية هنا نفهم السر : فاللغويون يظنون أن الخلفاء كانوا يرسلون أبناءهم إلى البادية لينشأوا على فصاحة الاعراب ، وهذا له وجه ، وإنما كان الخلفاء يرسلون أبناءهم إلى البادية لينشأوا على الصراحة والصرامة والطغيان . فالحكم في البوادي لا يكون لغير السيف والرمح ، وعيش البادية مران عنيف على الخشونة والصلابة والفتك . وقد سمعتم ألف مرة أن الترف هو داء الأمم ، داؤها العقام الذي
184
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 184