نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 158
وما نريد أن نغض من شاعرنا ، وإنما نريد أن نصوره على ما كان عليه من أخلاق ، وليس يؤذيه أن نستبيح من التعبير ما استباح . ثم أقول مرة ثانية إنه كان يريد أن يتزوج زواجا سياسيا ، والزواج السياسي معروف من قديم الأزمان ، وقد أباحه الرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فدخل في مصاهرات كثيرة لتصل روحه إلى أشتات القبائل العربية ، وما على الشريف من لوم في أن يسلك ذلك المسلك المقبول ، ليكون صلة الوصل بين فارس والعراق . ولكنه - وا أسفاه - خاب في مسعاه وقد سجّل خيبته الأليمة بقصيدتين : الأولى بائية ، والثانية دالية . وكان يجب أن نقف طويلا في تشريح هاتين القصيدتين ، ولكن أين الوقت فيكفي أن نذكر أن الشريف شعر بصدمة موجعة حين ضاعت تلك الفرصة الذهبية ، وكان للرجل وهو من شعراء الوجدان أن يتألم لضياع البخت من فتاة نشأت في النعيم . والحسن المنعّم له مذاق خاص . ولكنه وقف حسرته على ضياع المطمع السياسي فقال في مطلع البائية : أمانيّ نفس ما تناخ ركابها * وغيبة حظَّ لا يرجّى إيابها ووفد هموم ما أقمت ببلدة * وهنّ معي إلا وضاقت رحابها وآمال دهر إن حسبت نجاحها * تراجع منقوضا عليّ حسابها ثم قال : ألا أبلغا عني الموفّق قولة * وظنّي أن الطَّول منه جوابها [1] أترضى بأن أرمي إليك بهمتي * فأحجب عن لقيا علا أنت بابها