نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 115
دخوله بغداد بأيام يسيرة على يد بعض أصحابه ، فهو كان يعرف معنى التحية تحية الراجع إلى وطنه وهو في الطريق ، كما نرسل برقيات التحية في هذه الأيام ليفرح بها القادمون وهم على متون البواخر ، وهذه القصيدة ليست من الطوال ، ولكنها على قصرها تصوّر شوقه إلى أبيه ، شوق الطفل المضيّع إلى الوالد العطوف ، فهو يذكر كيف تركه أبوه وهو نبت ضعيف ويشير إلى ما صنعت به الأيام فيقول في آخر القصيدة : لما ذكرتك عاد قلبي شوقه * فبكين عنه مدامع الأقلام [1] خلّقتني زرعا فطلت وإنما * ذاك الغرار نمى إلى الصّمصام [2] أكدت على الأرض من أطرافها * وتدرّعت بمدارع الإظلام [3] وعهدتها خضراء كيف لقيتها * أبصرت فيها مسرحا لسوامي أشكو وأكتم بعض ما أنا واجد * فأعاف أن أشكو من الإعدام [4] ثم يطلع البدر بعد طول الاحتجاب ، ويرى الفتى أباه في بغداد سنة 376 ولكن كيف رآه رآه شاحب اللون ، هزيل الجسم ، قد نالت منه ظلمات الاعتقال ، فيتمثله في حالين : حال البؤس ، وحال النعيم ، وتزيده أخيلة الماضي المحزن تعلقا بذلك الشيخ الجليل الذي يعود إلى وطنه عود الجراز المفلول . ولا يعلم إلا اللَّه كيف خفق قلب ذلك الفتى حين رأى أباه ، فقد كان لا يزال طفلا ، وكانت المعاني السّود والبيض تلذع قلبه لذعا عنيفا ، والعواطف العاصفة لا يعرفها غير الأطفال .
[1] جمع الشريف بين نون النسوة وبين الفاعل ، وهذا يقع أحيانا في شعره ومنه أيضا قوله : فما تعني القوادم من جناح * تحامل إن قعدن به الخوافي [2] الغرار بكسر الغين حد السيف [3] أكدت الأرض غلظت وصلبت [4] الاعدام : الفقر .
115
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 115