نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 106
عليه تلهفا موجعا ، وينظم فيه اشعارا لها رنين الاسجاع ، اسجاع الحمائم الباكية في إثر الأليف المفقود . وما كان اعتقال والد الشريف إلا نكبة حلَّت بذلك البيت : فقد ذهبت دنيا أولئك الناس مرة واحدة ، إذ سجن سيد البيت ، ثم صودرت الأملاك ، وتتابعت الرزايا على صورة تنبت الشجى في أقسى القلوب . وزاد في تلك المأساة أنها صادفت فتى رقيق الحس ، مرهف القلب ، شاعر الروح ، فصيّرته وترا حنّانا يجيد تصوير الأسى وترجيع الأنين . وضاعف من نكد تلك البلية أن ذلك الفتى كان يرى الكفر أهون من المكسب الخسيس : فساقه التصون إلى الضنك ، ولم يبق أمامه وأمام أخيه غير التصرف فيما كانت تملك أمهما الرؤوم ، وقد قسا الدهر وعنف فاضطرّ تلك السيدة إلى بيع أملاكها وحليّها لتضمن لولديها العزيزين عيش الكفاف إلى أن يمن اللَّه على زوجها بالخلاص . أيها السادة : لم أرد أن أطيع القلم وأنا اكتب هذه المحاضرة فأغزو قلوبكم بالحزن على رجل صار في ذمة التاريخ ، ويكفي أن تعرفوا أن صاحبنا لم يقل الشعر الجيّد وهو ابن عشر سنين إلا لأن الزمن رماه في طفولته بما يمنح الأطفال عقول الكهول ، وسترون في الليالي المقبلة أنه بدأ يشكو الشيب وهو في سن العشرين « وشيب الرأس من شيب الفؤاد » . والآن نواجه اشعار الشريف في مدح أبيه فنقول :
106
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 106