وأيضا نعلم بالوجدان والبداهة أنا نقدر أن نرفع جوزة من الأرض ، ونرمي ، وأن لا نرفع ولا نرمي ، وتكذيب الوجدان قد عرفت ، مع أنه أقوى من كثير من مقدمات ما يثبت به أصول الدين ، سيما مع ما دل على حدوث العالم ، فإن الأشاعرة يثبتون أصول الدين به و أمثاله . وبالجملة إنهم ينكرون ما حكم به حسهم ، مثل السوفسطائية ، وأهل الجزيرة ، بسبب شبهات مخالفة للبديهة والحس كما سنشير إليها . وفيه ما فيه ، مع أن الحس لو جاز خطاؤه وكذبه فالشبهات بطريق أولى ، فكيف يمكن إبطال الحس والبداهة بالشبهة ؟ بل كيف يمكن للعاقل ارتكاب جميع المفاسد - التي أشرنا إلى بعضها ، ونشير إلى بعض آخر - بمجرد حكم شبهة ؟ وأيضا قد بينا في الفائدة السابقة حقيقة الحسن والقبح العقليين ، فكيف يمكن لحكيم أن يفعل هو فعلا ويؤاخذ غيره بسبب هذا الفعل ، ويعاقبه ، وينكر عليه : بأنك لم فعلت كذا وكذا ؟ يعني هذا الفعل الذي فاعله ليس إلا هذا الحكيم ، ثم يعذبه عذابا شديدا ، كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا . . . الآية ، إلى غير ذلك مما ورد في الآيات والاخبار من شدائد عذابه ، ثم يقول : هذا جزأ ما فعلت ، وما كسبت يداك ، وانتقام منه ، وربما يقول : عفوت عنك ، إلى غير ذلك ، بل لو كان الحكيم شريكا في الفعل لا يمكنه أن يفعل ما ذكر سيما وأنه الشريك الأقوى ، بل لو كان له شركة ما - ولو كانت قليلة غاية القلة - لا يمكنه أن يفعل ، وإن لم يكن الشريك الأقوى ،